وقال الزمخشريّ (١) في قوله تعالى : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) (النساء : ١٤٧) ، قدّم الشكر على الإيمان ؛ لأنّ العاقل ينظر ما عليه من النعمة العظيمة في خلقه وتعريضه للمنافع ، فيشكر شكرا مبهما ؛ فإذا انتهى به النظر إلى معرفة المنعم آمن (٢) به ، ثم شكر شكرا منفصلا (٣) فكان الشكر متقدما على الإيمان ؛ وكأنه أصل التكليف ومداره. انتهى.
وجعله غيره من عطف الخاص على العام ؛ لأن الإيمان من الشكر ، وخصّ بالذكر لشرفه.
الرابع
بالرتبة
٣ / ٢٤٩ كتقديم «سميع» على «عليم» فإنه يقتضي التخويف والتهديد ، فبدأ بالسميع لتعلقه بالأصوات ، وإنّ من سمع حسك فقد يكون أقرب إليك في العادة ممن يعلم ، وإن كان علم الله تعلق بما ظهر وما بطن.
وكقوله : (غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة : ١٧٣) ، فإن المغفرة سلامة ، والرحمة غنيمة ، والسلامة مطلوبة قبل الغنيمة ؛ وإنما تأخرت في آية سبأ في قوله : (الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) (سبأ : ٢) ؛ لأنها منتظمة في سلك تعداد أصناف الخلق من المكلّفين وغيرهم ، وهو قوله : (ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) (سبأ : ٢) ، فالرحمة شملتهم (٤) جميعا ، والمغفرة تخصّ بعضا ، والعموم قبل الخصوص بالرتبة.
وقوله تعالى : (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (القلم : ١١) فإن الهمّاز هو المغتاب ؛ وذلك لا يفتقر إلى شيء بخلاف النميمة.
وقوله [تعالى] (٥) (يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) (الحج : ٢٧) (٦) [فإنّ الغالب أنّ الذين يأتون رجالا من مكان قريب ، والذين يأتون على الضامر] (٦) من البعيد. ويحتمل أن
__________________
(١) في الكشاف ١ / ٣٠٨.
(٢) في المخطوطة (أمر).
(٣) تصحفت في المطبوعة إلى (متصلا).
(٤) في المخطوطة (تشملهم).
(٥) ليست في المطبوعة.
(٦) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.