وهذا مثل ضربه الله للمؤمن ، ثم ضرب للكافر مثلين : أحدهما : (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) (النور : ٣٩) ، والثاني : (كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) (النور : ٤٠) ، شبّه في الأول ما يعلمه من لا يقدّر الإيمان المعتبر بالأعمال التي يحسبها بقيعة ، ثم يخيب أمله ، بسراب يراه الكافر بالمشاهدة (١) ، وقد غلبه عطش يوم القيامة ، فيجيئه فلا يجده ماء ، ويجد زبانية الله عنده ، فيأخذونه فيلقونه إلى جهنم.
البحث السادس
ينتظم قواعد تتعلق بالتشبيه
٣ / ٤٢٤ الأولى : قد تشبّه أشياء بأشياء ، ثم تارة يصرح بذكر المشبّهات ، كقوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ) (غافر : ٥٨) ، وتارة لا يصرّح به بل يجيء مطويّا [٢٣٩ / ب] على سنن الاستعارة ، كقوله : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) (فاطر : ١٢) ، (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ ...) (الزمر : ٢٩) الآية.
قال الزمخشريّ (٢) : والذي عليه علماء البيان أنّ التمثيلين جميعا من جملة التمثيلات المركّبة لا المفرقة (٣) ؛ بيانه أن العرب تأخذ أشياء فرادى فتشبّهها بنظائرها [كما ذكرنا] (٤) ، وتشبه كيفية حاصلة من مجموع أشياء تضامّت حتى صارت شيئا واحدا بأخرى ، كقوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ...) (الجمعة : ٥) الآية.
ونظائره من حيث اجتمعت تشبيهات ؛ كما في تمثيل الله حال المنافقين أول سورة البقرة ، قال الزمخشريّ (٥) : وأبلغه الثاني ؛ لأنه أدلّ على فرط الحيرة ، وشدة الأمر وفظاعته ؛ ولذلك أخّر ، قال : وهم يتدرّجون في نحو هذا ، من الأهون إلى الأغلظ.
***
الثانية : أعلى (٦) مراتب التشبيه في الأبلغية ترك وجه الشبه وأداته ، نحو زيد أسد ؛ أما ترك وجهه وحده ، فكقوله (٧) : زيد كالأسد ؛ وأما ترك أداته وحدها ؛ فكقوله (٧) : زيد الأسد شدة.
__________________
(١) في المطبوعة (بالساهرة).
(٢) الكشاف ١ / ٤٠.
(٣) في المطبوعة (المفردة).
(٤) ساقطة من المخطوطة.
(٥) الكشاف ١ / ٤١.
(٦) في المخطوطة (على).
(٧) في المخطوطة (فكقولك).