وأما سورة الأنفال
فتعارض فيها شيئان مجيء الإدغام قبله في الماضي من قوله (ذلِكَ
بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ) وعطف (وَرَسُولَهُ) على اسم الله وقد
وردت نسبة المشاقة لله ورسوله ورد ذلك بالعطف بالواو الجامعة وهو مما يناسب الشك
فاستدعى الموضع داعيان ، أحدهما ما قبل من الإدغام ، والثاني ما بعده من العطف
المشبه للفظ ، فروعي البعديّ لأنه أقوى من القبلي كما فعلوا في «الأمام» فلم
يميلوا نحو «مناشيط» ونحوه مما تأخر فيه حرف الاستعلاء ، وإن حال بينه وبين الألف
حرفان ومع ذلك فإنه ينفع الإمالة وليس ذلك في قوة المنع إذا تقدم مع حائل.
ومنه في الأنعام (فَأَخَذْناهُمْ
بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (الآية : ٤٢) بالإدغام ووجّه أن العرب تراعي مجاورة الألفاظ
فيحمل اللفظ على مجاورة المشاكلة للمشاكلة القطعية ، وفيه الاتباع في «نسوك وبنوك»
والأصل بنيك ، وماضي الفعل من الضراعة لا إدغام فيه إنما نقول «يضرع» إذ لا حرف
مضارعة فيه يسوغ الإدغام فلما أورد الماضي فيما بني على آية الأنعام من قوله (فَلَوْ
لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا) (الآية : ٤٣) ولا
إدغام فيه ورد الأول مفكوكا غير مدغم دعيا للمناسبة بخلاف آية الأعراف ، إذا لم
يرد فيه ما يستدعي هذه المناسبة فجاء مدغما على الوجه الأخف إذ لا يقتضي بخلافه.
ومنه (فَمَنْ
تَبِعَ هُدايَ) في البقرة (٣٨) ، (فَمَنِ اتَّبَعَ
هُدايَ) في طه (١٢٣) وكذلك في الأنعام : (وَالزَّيْتُونَ
وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) (الآية : ٩٩) وقال بهذه في هذه السورة (وَالزَّيْتُونَ
وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) (الآية : ١٤١) فورد في آخر الأمر على أخف التباين وفي
الثاني على أثقلهما دعيا للترتيب].
الإيجاز
وهو قسم من الحذف
، ويسمى إيجاز القصر ؛ فإن الإيجاز عندهم قسمان : وجيز بلفظ ، ووجيز بحذف.
فالوجيز باللفظ أن يكون اللفظ بالنسبة إلى المعنى أقلّ من القدر المعهود عادة ؛ وسبب [٢٠٢ /
ب] حسنه أنه يدلّ على التمكن في الفصاحة ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : «أوتيت جوامع الكلم ». ٣ / ١٢٢
__________________