وقد أشكل على هذه القاعدة قوله تعالى : (وَغَرابِيبُ سُودٌ) (فاطر : ٢٧) وهي من الآيات التي صدئت (١) فيها الأذهان الصقيلة ، وعادت بها أسنّة الألسنة مفلولة ؛ ومن جملة العجائب أن شيخا أراد أن يحتج على مدرس لما ذكر له هذا السؤال ، فقال : إنما ذكر السّواد لأنه قد يكون في الغربان (٢) ما فيه بياض ، وقد رأيته ببلاد المشرق (٣)! فلم يفهم من الآية إلا أن الغرابيب هو الغراب ، ولا قوة إلا بالله!
والذي يظهر في ذلك أن الموجب لتقديم (الغرابيب) هو تناسب الكلم وجريانها على نمط (٤) متساوي التركيب ، وذلك أنه لمّا تقدم البيض والحمر دون إتباع كان (٥) كان الأليق بحسن النّسق وترتيب النظام أن يكون «السود» كذلك ؛ و [لكنه] (٦) لما كان في [هذا] (٧) «السّود» هنا زيادة الوصف ، كان الأليق في المعنى أن يتبع بما يقتضي ذلك ، وهو الغرابيب ، فيقابل حظ (٨) اللفظ وحظ المعنى ، فوفّى (٩) الخطاب وكمل الغرضان جميعا ؛ ولم يطرح أحدهما الآخر ، فيقع (١٠) النقص من جهة الطرح ، وذلك بتقديم «الغرابيب» على «السود» فوقع (١١) في لفظ «الغرابيب» حظ المعنى في زيادة الوصف. وفي ذكر «السود» مفردا من الإتباع حظّ اللفظ ؛ إذ جاء مجردا عن صورة البيض والحمر ؛ فاتسقت الألفاظ كما ينبغي ، وتمّ المعنى كما يجب ، ولم يخلّ بواحدة من الوجهين ، ولم يقتصر على «الغرابيب» وإن كانت متضمنة لمعنى «السود» لئلا (١٢) [تتنافر] (١٣) الألفاظ ، [فإن ضمّ] (١٤) الغرابيب إلى البيض والحمر ولزّها (١٥) في قرن واحد : ٢ / ٤٤٥
كابن اللبون إذا ما لزّ في قرن (١٦)
__________________
(١) في المخطوطة (صدت).
(٢) تصحفت في المخطوطة إلى (الغربان سود ما).
(٣) في المخطوطة (الشرق).
(٤) في المخطوطة (لفظ).
(٥) في المخطوطة (وكان).
(٦) ساقطة من المخطوطة.
(٧) ساقطة من المطبوعة.
(٨) تصحفت في المخطوطة إلى (غيظ).
(٩) في المخطوطة (فقوى).
(١٠) في المخطوطة (فوقع).
(١١) في المخطوطة (فوفى).
(١٢) في المخطوطة (دليلا).
(١٣) ساقطة من المخطوطة وفي موضعها بياض.
(١٤) ساقطة من المخطوطة.
(١٥) في المخطوطة (ذكرها).
(١٦) صدر بيت عجزه لم يستطع صولة البزل القناعيس وهو لجرير من قصيدة مطلعها : حيّ الهذملة من ذات المواعيس (الديوان : ٢٥٠).