والقصص الأول من جنس المجاهد الذي] (١) قتل عدوه ، وإبراهيم بعد هذا لم يقم بينهم بل هاجر وتركهم ؛ وأولئك الرسل لم يزالوا مقيمين بين أظهرهم حتى هلكوا ، ولم يوجد في حق إبراهيم سبب الهلاك ؛ وهو إقامته فيهم ، وانتظار العذاب النازل ؛ وهكذا محمد صلىاللهعليهوسلم مع قومه ، لم يقم فيهم ، بل خرج عنهم حتى أظهره الله عليهم بعد ذلك ؛ ومحمد وإبراهيم أفصل الرسل ؛ فإنهم إذا علموا حصل المقصود ، وقد يتوب منهم من تاب ، كما جرى لقوم يونس ؛ فهذا والله أعلم هو السرّ في أنّه سبحانه لم يذكر قصة إبراهيم مع هؤلاء ؛ لأنها ليست من جنس واقعتهم.
فإن قيل : فما وجه الخصوصية بمحمد وإبراهيم بذلك؟
٣ / ٣٢ فالجواب : أمّا حالة إبراهيم فكانت إلى الرحمة أميل ؛ فلم يسع في هلاك قومه [لا بالدعاء ولا بالمقام ودوام] (٢) إقامة (٣) الحجة عليهم ؛ وقد قال الله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ* وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ) (إبراهيم : ١٣ ـ ١٤) ، وكان كلّ قوم يطلبون هلاك نبيّهم فعوقبوا ؛ وقوم إبراهيم وإن أوصلوه إلى العذاب ؛ لكن جعله الله عليه بردا وسلاما ، ولم يفعلوا بعد ذلك ما يستحقون به العذاب ؛ إذ الدنيا ليست دار الجزاء العام ؛ وإنما فيها من الجزاء ما تحصل به الحكمة والمصلحة ؛ كما في العقوبات الشرعية ، فمن أرادوا عداوة [أحد] (٤) من أتباع الأنبياء ليهلكوه فعصمه الله ، وجعل صورة الهلاك نعمة في حقه ؛ ولم يهلك أعداءه بل أخزاهم ونصره ؛ فهو أشبه بإبراهيم عليهالسلام ؛ إذ عصمه الله من كيدهم ، وأظهره حتى صارت الحرب بينهم وبينه سجالا ، ثم كانت له العاقبة فهو أشبه بحال محمد صلىاللهعليهوسلم ، فإن محمدا سيد الجميع ، وهو خليل الله ، كما أن إبراهيم عليهالسلام خليله ، والخليلان هما أفضل الجميع ، وفي طريقهما من الرأفة والرحمة ما ليس في طريق غيرهما ، ولم يذكر الله عن قوم إبراهيم ذنبا غير الشرك ، وكذلك عن قوم نوح ، وأما عاد فذكر عنهم التجبّر ، وعمارة الدنيا ، وقوم صالح ذكر عنهم الاشتغال بالدنيا عن الأنبياء ، وأهل مدين الظلم في الأموال مع الشرك ، وقوم لوط استحلال الفاحشة ، ولم يذكر أنهم أقروا بالتوحيد ، بخلاف سائر الأمم ، وهذا يدل [١٦٧ / أ] على أنهم لم يكونوا مشركين ، وإنما كان دينهم استحلال الفاحشة وتوابع ذلك ، وكانت عقوبتهم أشدّ.
__________________
(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٣) في المخطوطة «لإقامة».
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.