فإنّ عرض القفاء وعظم الرّأس (١) بالإفراط ممّا يستدلّ ـ به على البلاهة فهو (٢) ـ ملزوم لها بحسب الاعتقاد (٣) ، لكن في الانتقال منه إلى البلاهة نوع خفاء لا يطّلع (٤) عليه كلّ أحد ، وليس (٤) الخفاء بسبب كثرة الوسائط والانتقال حتّى تكون بعيدة.
________________________________________________________
(١) أي عطف عظم الرّأس على عرض القفا من عطف اللّازم على الملزوم ، لأنّه مثال آخر.
(٢) أي فما ذكر من عرض القفا وعظم الرّأس بالإفراط ملزوم للبلاهة ، والبلاهة لازمة له.
(٣) أي الاعتقاد الحاصل للعرف بالتّجربة وعلم القيافة ، فمعنى العبارة حينئذ فعرض القفاء وعظم الرّأس ملزوم للبلاهة عند من له اعتقاد في ملزوميّته للبليد.
لا يقال : إنّ من له اعتقاد باللّزوم لا خفاء بالنّسبة إليه ، ومن لا اعتقاد له لا كناية بالنّسبة إليه ، إذ لا يفهم المراد أصلا ، فجعل الكناية في المثال خفيّة في غير محلّه.
فإنّه يقال :
إنّه لا يلزم من اعتقاد اللّزوم حضوره حال الخطاب ، إذ يجوز أن يكون بعض المعاني المخزونة يدرك لزومها بمطلق الالتفاف ، فلا تخفى الكناية عنها على المتكلّم عند إيجادها ، ولا تخفى على السّامع عند سماعها.
ويجوز أن يكون إدراك لزومها يحتاج إلى تصفّح المعاني والدّلالة بالقرائن الخفيّة ، فيحتاج المتكلّم في إيجادها إلى تأمّل ، والسّامع في فهمها إلى رويّة وفكر ، وما هنا من هذا القبيل.
ومن هنا يعلم اعتقاد لزوم البلادة لعرض القفا ، ليس مشاركا بين النّاس ، بل قد يخصّ به واحد دون آخر ، إذ لا سبيل إليه إلّا بعد التّأمل.
(٤) أي لا يدركه كلّ أحد وإنّما يدركه من أعمل فكرته ورويّته حتّى اطّلع على الملزوميّة واعتقدها.
(٥) هذا دفع لما يتوهّم من قوله : «لا يطّلع عليه كلّ أحد» من ـ أنّ ذلك قد يكون بسبب وجود كثرة الوسائط.
وحاصل الدّفع :
أنّه ليس الخفاء بسبب كثرة الوسائط حتّى ـ تكون الكناية بعيدة.