يومي الأبيض ، وابيضّ فودي (١) الأسود ، حتّى رثى لي العدوّ الأزرق ، فيا حبّذا الموت الأحمر ، فالمعنى القريب للمحبوب الأصفر إنسان له صفرة ، والبعيد هو الذّهب ، وهو المراد ههنا ، فيكون تورية ، وجمع الألوان لقصد التّورية لا يقتضي أن يكون في كلّ لون تورية كما توهّمه بعضهم.
[ويلحق به] أي بالطّباق (٢) شيئان : أحدهما الجمع بين معنيين يتعلّق أحدهما بما يقابل الآخر نوع تعلّق ، مثل السّببيّة واللزّوم [نحو قوله تعالى : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ)(١) ، فإنّ الرّحمة وإن لم تكن مقابلة للشّدّة لكنّها مسبّبة عن اللّين] الّذي هو ضدّ الشّدّة.
________________________________________________________
(١) والفود :
شعر جانب الرّأس ممّا يلي الأذن وابيضاض الشّعر ، كناية عن كثرة الحزن والهمّ ، واتّصف شعره بذلك بسبب الهمّ حتّى رثى له العدوّ الأزرق ، أي شديد العداوة.
فحاصل الكلام :
إنّ الألوان كلّها في كلامه كناية إلّا الاصفرار ، فإنّ فيه التّورية ، وهي أن يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد ويراد منه البعيد. ومن هنا تبيّن أنّ جمع الألوان لا يقتضي أن تكون كلّها توريات ، أو كنايات ، بل يجوز أن تجمع على أن يكون بعضها تورية ، وبعضها كناية كما هنا ، حيث قصدت التّورية بواحد منها وهو الاصفرار والكناية بباقيها ، وقد توهّم بعضهم وجوب ذلك وهو فاسد.
(٢) أي بالطّباق السّابق ، الفرق بين الطّباق والملحق به أنّ الطّباق يكون التّقابل فيه لذات اللّفظ والمعنى ، بخلاف الملحق به حيث يكون التّقابل فيه باعتبار المعنى فقطّ ، كما في الآية المباركة والبيت لعبد بن علي الخزاعي.
أمّا في الآية الكريمة فقد جمع بين الشّدة والرّحمة ، ومن المعلوم أنّ الرّحمة لا تقابل الشّدة ، فإنّ الرّحمة إنّما تقابلها الفظاظة ، والشّدة إنّما يقابلها اللّين لكنّ الرّحمة مسبّبة عن اللّين ، إذ اللّين في الإنسان كيفيّة قلبيّة تقتضي الانعطاف لمستحقّه ، وذلك الانعطاف هو الرّحمة ، فهي مسبّبة عن الكيفيّة الّتي هي اللّين ، فقد قوبل في الآية بين معنيين هما الرّحمة والشّدّة ، وأحدهما وهو الرّحمة له تعلّق السّببيّة ، أي كون الرّحمة مسبّبة عن اللّين.
__________________
(١) سورة الفتح : ٢٩.