يكون لكلّ من آحاد كلّ من المتعدّدين ، كما تقول : الرّاحة والتّعب والعدل والظّلم قد سّد من أبوابها ما كان مفتوحا ، وفتح من طرقها ما كان مسدودا. [ومنه] أي ومن المعنوي ، [الجمع وهو أن يجمع بين متعدّد] اثنين أو أكثر [في حكم واحد ، كقوله تعالى : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا)(١) (١) ، ونحو قوله :] أي قول إلى العتاهية : علمت يا مجاشع بن مسعدة [أنّ الشّباب والفراغ والجدة] أي الاستغناء [مفسدة] أي داعية إلى الفساد [للمرء ، أي مفسدة (٢)]. [ومنه] أي ومن المعنوي [التّفريق ، وهو إيقاع تباين (٣) بين أمرين من نوع في
________________________________________________________
فتحصّل من ذلك أنّه ليس القائل في (قالُوا) فريقا واحدا ، ولا القول قولا واحدا ، فيجب أن يرجع ويردّ إلى كلّ فريق القول المناسب له.
وقوله : الرّاحة والتّعب لفّ أوّل ، والعدل والظّلم لفّ ثان ، وقوله : «قد سّد ...» نشر ذكر فيه ما لكلّ واحد من اللّفّين ، لأنّ قوله : «قد سدّ من أبوابنا ما كان مفتوحا» راجع إلى الرّاحة من اللّفّ الأوّل ، وإلى العدل من اللّف الثّاني.
وقوله : «وفتح من طرقها ما كان مسدودا» راجع للتّعب المذكور في اللّفّ الأوّل وللظّلم المذكور في اللّفّ الثّاني.
(١) أي يتزيّن بها الإنسان في الدّنيا ، ويذهبان عن قريب ، والشّاهد في أنّه جمع المال والبنون في حكم ، وهو زينة الحياة الدّنيا.
(٢) أي مفسدة عظيمة. والمفسدة الأمر الّذي يدعو صاحبه للفساد ، عبّر عنه بالمفسدة مبالغة ، والشّاهد أنّه قد جمع بين الشّباب والفراغ والجدة في حكم ، وهو كونها مفسدة للمرء ، وإنّما كانت هذه الأمور مفسدة عظيمة ، لأنّ الشّباب داعي إلى اتّباع الهوى والفراغ ، هو انتفاء الموانع عن ارتكاب الفساد والجدة أسباب يتوسّل بها إليه ، فإذا اجتمعت كانت غاية في الفساد.
(٣) أي ليس المراد بالتباين التباين الاصطلاحي ، بل المراد هو المعنى اللّغوي أي إيقاع افتراق بين أمرين مشتركين من نوع واحد ، سواء كان الاتّحاد فيه بالحقيقة أو بالادّعاء ، مثل نوال الغمام ونوال الأمير في البيت المذكور في المتن ، فإنّ النّوع الّذي يجمعهما هو مطلق النّوال أي العطاء.
__________________
(١) سورة الكهف : ٤٦.