[وهما] أي التّبليغ والإغراق [مقبولان ، وإلّا] أي وإن لم يكن ممكنا لا عقلا ولا عادة ، لامتناع أن يكون ممكنا عادة ممتنعا عقلا ، إذ كلّ ممكن عادة ممكن عقلا ولا ينعكس (١) [فغلو (٢) ، كقوله (٣) : وأخفت (٤) أهل الشّرك حتّى أنّه] الضّمير للشّأن [لتخافك النّطف الّتي لم تخلق (٥)] فإنّ خوف النّطفة الغير المخلوقة ممتنع عقلا وعادة.
[والمقبول منه] أي من الغلو ـ [أصناف : منها (٦) ما أدخل عليه ما يقرّبه إلى الصّحّة (٧) نحو] لفظة [يكاد في قوله تعالى : (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ)(١) (٨).
________________________________________________________
(١) أي ليس كلّ ممكن عقلا ممكنا عادة ، لأن دائرة العقل أوسع من العادة.
(٢) أي يسمّى غلوا ، مأخوذ من غلا في الشّيء إذا تجاوز الحدّ فيه.
(٣) أي قول أبي نوّاس من قصيدة له في مدح الرّشيد.
(٤) بسكون الفاء وفتح التّاء.
(٥) والشّاهد في أنّه ادّعى أنّه يخاف الممدوح النّطف الغير المخلوقة ، وهذا الخوف ، أي خوف النّطف الغير المخلوقة من الممدوح ممتنع عقلا وعادة ، لأنّ شرط الخوف عقلا الحياة ، فيستحيل حصول الخوف من الفاقد للحياة.
(٦) ومن تلك الأصناف.
(٧) أي ما أدخل عليه لفظ يقرّب الأمر الّذي وقع فيه الغلو إلى الصّحّة ، أي إلى إمكان وقوعه.
(٨) فالمدّعى المبالغ فيه إضاءة الزّيت كإضاءة المصباح من غير نار ، ولا شكّ أن إضاءة الزّيت إضاءة كإضاءة المصباح بلا نار محال عقلا وعادة ، فلو قيل في غير القرآن هذا الزّيت يضيء كإضاءة المصباح بلا نار لكان مردودا ، وحيث وضع لفظة كاد ، لقرب الخبر ودنوّه ، كما بيّن في النّحو ، وقيل : يكاد يضيء ، أفاد أنّ المحال لم يقع ، ولكن قرب من الوقوع مبالغة ، لأنّ المعنى يقرّب زيتها من الإضاءة ، والحال أنّه لم تمسسه نار ، ومعنى قرّب المحال من الوقوع توهّم وجود أسباب الوقوع ، وقرّب المحال من الوقوع قريب من الصّحّة ، إذ قد تكثر أسباب الوهم المتخيّل بها وقوعه ، ولو كان لا يقع.
__________________
(١) سورة النّور : ٣٥.