نَفْسٌ) ، ثمّ فرق بينهم بأن بعضهم شقي وبعضهم سعيد بقوله : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) ثمّ قسم بأن أضاف إلى الأشقياء ما لهم من عذاب النّار وإلى السّعداء ما لهم من نعيم الجنّة بقوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) إلى آخره. [وقد يطلق التّقسيم على أمرين آخرين : أحدهما أن تذكر أحوال الشّيء مضافا (١) إلى كلّ] من تلك الأحوال [ما يليق به ، كقوله (٢) :
سأطلب حقّي بالقنا (٣) ومشايخ |
|
كأنّهم من طول ما التثموا مرد ثقال] |
لشدّة وطأتهم على الأعداء [إذا لاقوا] أي حاربوا [خفاف] أي مسرعين إلى الإجابة [إذا دعوا] إلى كفاية مهمّ ودفاع ملمّ [كثير إذا شدّوا] لقيام واحد مقام الجماعة [قليل إذا عدّوا] ذكر أحوال المشايخ وأضاف إلى كلّ حال ما يناسبها بأن
________________________________________________________
(١) أي منسوبا إلى كلّ من تلك الأحوال ما يليق به.
(٢) أي قول أبي الطّيب المتنبّي :
سأطلب حقّي بالقنا ومشايخ |
|
كأنّهم من طول ما التثموا مرد |
تمام البيت :
ثقال إذا لا قوا خفاف إذا دعوا |
|
كثير إذا شدوا قليل إذا عدوا |
والشّاهد في أنه قد ذكر المتنبّي أحوال المشايخ بأنّهم ثقال وخفاف وكثير وقليل ، ثمّ أضاف إلى كلّ حاله من تلك الأحوال ما يليق به ، فأضاف للثّقل حال الملاقاة ، وللخفّة حال الدّعوة للإجابة ، وللكثرة حال الشّدّة ، فهذا تقسيم بمعنى آخر لا تقسيم السّابق ، لأنّ التّقسيم السّابق يذكر نفس المتعدّد ، وهذا لم يذكر فيه نفس المتعدّد المذكور أوّلا ، وإنّما ذكرت أحواله وأضيف لكلّ من تلك الأحوال ما يليق بها كما عرفت.
(٣) القنا بالقاف والنّون جمع قناة وهي الرّمح ، ويمكن أن يكون بالفاء والثّاء كما في بعض النّسخ ، وهو المناسب لمشايخ ، فعلى هذه النّسخة أراد الشّاعر بالفتى نفسه ، وبالمشايخ قوم وجماعته من الرّجال الّذين لهم لحى ، والالتثام وضع اللثّام على الأنف والفمّ ، وكان ذلك من عادة العرب في الحرب للتّوقّي عن الغبار ، ولئلّا يعرف الإنسان فيطلب أو يهرب عنه خصمه