بنقصه وإبطاله ، [لنكتة كقوله : (١) قف بالدّيار الّتي لم يعفها القدم] ، أي لم يبلها تطاول الزّمان وتقادم العهد ، ثمّ عاد إلى ذلك الكلام ونقضه بقوله : [بلى وغيرها الأرواح والدّيم] أي الرّياح والإمطار ، والنّكتة إظهار التّحيّر والتّولّه ، كأنّه أخبر أوّلا بما لا تحقّق له ، ثمّ أفاق بعض الإفاقة فنقض الكلام السّابق قائلا : بل عفاها القدم وغيرها الأرواح والدّيم.
[ومنه] أي ومن المعنوي [التّورية ، وتسمّى الإيهام أيضا ، وهي أن يطلق لفظ له ـ معنيان (٢)
________________________________________________________
آخر فيبطله ، ويشترط في كون الرّجوع إلى نقص الكلام من البديع أن يكون ذلك النّقص «لنكتة» كأن يفهم من السّياق أنّ المتكلّم لم يعد لإبطال الكلام السّابق بمجرّد كونه غلطا وإنّما ذلك لإظهار التّحسر والحزن ، وكون العود دالّا على التّحسّر والتّحزّن حتّى يجعل لإفادته ، وتكون تلك الإفادة هي النّكتة.
فتحقّق بما تقرّر أنّ الإنسان إذا كان غارقا في الحبّ بحيث يكون غالبا على عقله ، ربّما يظنّ الشّيء واقعا وهو ليس بواقع ، ثمّ إنّه قد يستفيق بعد الإخبار بغير الواقع ، فيعود إلى إبطاله بالإخبار بالحقيقة ، فيظهر من ذلك أنّه عائد إلى الصّدق كرها ، وفي ضمن ذلك أنّه متأسّف على ما فات منه ، فيفهم منه أنّه أراد أن يظهر التّحسّر والتّحزّن على فوات ما أخبر به أوّلا.
(١) قول زهير حيث بدأ الكلام السّابق على أنّ تطاول الزّمان وتقادم العهد لم يعف الدّيار ، ثمّ عاد إلى الكلام السّابق ، ونقصه وأبطله بأنّه قد غيّرها الرّياح والأمطار ، والنّكتة في هذا العود هو إظهار الكآبة والحزن والحيرة ، فكأنّه أخبر بغير الواقع حقيقة ، ثمّ رجع إلى عقله وأفاق فتدارك غلطه في هذا الإخبار ، فنقض وأبطل كلامه السّابق قائلا : «بل عفاها القدم وغيرها الأرواح والدّيم» ، والأرواح جمع الرّيح ، والدّيم جمع الدّيمة ، بمعنى المطر الكثير الدّائم ، والتّولّه بمعنى ذهاب العقل.
(٢) أو أكثر سواء كانا حقيقيّين أو مجازيّين أو أحدهما حقيقيّا وإلّاخر مجازيا ، لا يعتبر بينهما لزوم وانتقال من أحدهما إلى الآخر ، وبهذا تمتاز التّوريّة عن المجاز والكناية.