[ومنه] أي ومن المعنوي : [الهزل الّذي يراد به الجدّ ، كقوله :
إذا ما تميمي أتاك مفاخرا |
|
فقل : عدّ عن ذا كيف أكلك للضّبّ (١)] |
[ومنه] أي ومن المعنوي : [تجاهل العارف ، وهو كما سماه السّكّاكي سوق المعلوم مساق (٢) غيره لنكتة] وقال : (٣) لا أحبّ تسميته بالتّجاهل لوروده في كلام الله تعالى (٤)
________________________________________________________
وإنّما قلنا : إنّ المتشابهين منهما قريب وبعيد لما ذكر السّكّاكي نفسه من أنّ أكثر متشابهات القرآن من قبيل التّورية والإيهام ، ومعلوم أنّ التّورية الّتي هي الإيهام إنّما تتصوّر في معنى قريب وبعيد ، كما تقدّم ، ويجوز أن يكون وجه المفارقة بين التّوجيه والمتشابهات هو أن المعنيين في المتشابهات لا يجب تضادّهما بخلاف التّوجيه.
وكيف كان فالحقّ أنّ المتشابهات من التّورية لا من التّوجيه لما سبق من اشتراط استواء الاحتمالين فيه ، فإذا ثبت في بعضها أنّه يحتمل الضّدين على السّواء كان من التّوجيه.
(١) وأمّا الشّاهد : فهو أنّ قولك للتّميمي وقت مفاخرته بحضورك : لا تفتخر ، وقل لي كيف أكلك للضّبّ ، هزل ظاهر لكنّك تريد به الجدّ ، وهو ذمّ التّميمي ـ بأكله الضّبّ ، وأنّه لا مفاخرة مع ارتكابه أكل الضّبّ الّذي لا يرتكبه أشراف النّاس ، وعلم من هذا أن الهزليّة باعتبار استعمال الكلام ، والجدّيّة باعتبار ما قصد منه.
(٢) المساق مصدر ميمي السّوق ، أي سوق المعلوم سوقا كسوق غيره ، أي كسوق المجهول ، وذلك بأن يعبّر عنه بما يدلّ على أنّه مجهول ، وذلك «لنكتة» ، أي لفائدة ، وهو متعلّق بتجاهل العارف ، فلو عبّر عن المعلوم بعبارة المجهول لا لنكتة كأن يقال : هل زيد في الدّار ، حيث يعلم أنّه في الدّار ، ولا نكتة في الاستفهام ، لم يكن لك من المحسّنات بل يكون لغوا لا يليق بالبلغاء.
(٣) أي قال السّكّاكي أيضا «لا أحب تسميته ...».
(٤) كقوله تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى)(١) ، وتسمية الكلام المنسوب إلى الله تعالى بتجاهل العارف إساءة أدب ، بخلاف تسميته بسوق المعلوم مساق غيره ، فإنّه أقرب إلى الأدب من الأوّل ، وإن كان الغير فيها عبارة عن المجهول ، لكنّ دلالتها عليه ليست بصريحة ،
__________________
(١) سورة طه : ١٧.