وقيل (١) : عدم ظهور الأفعال في المستعار له أعني الموت أقوى ، ومن شرط الجامع أن يكون في المستعار منه أقوى ، فالحقّ (٢) أنّ الجامع هو البعث الّذي هو في النّوم أظهر وأشهر وأقوى لكونه (٣) ممّا لا شبهة فيه لأحد ، وقرينة الاستعارة (٤) هي كون هذا الكلام كلام الموتى مع قوله : (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)(١).
[وإمّا مختلفان] أي أحد الطّرفين حسّيّ والآخر عقليّ ، [والحسّيّ هو المستعار منه نحو : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ)(٢) (٥) ،
________________________________________________________
(١) أي هذا إشارة إلى اعتراض وارد على قول المصنّف ، وحاصله إنّ الجامع يجب أن يكون في المستعار منه أقوى وأشهر ، ولا شكّ أنّ عدم ظهور الفعل الّذي هو الجامع في الموت الّذي هو المستعار له أقوى منه في الرّقاد الّذي هو المستعار منه ، وحينئذ فلا يصحّ ، ثمّ وجه أقوائيّة الجامع في الموت أنّ في الموت زوال الرّوح والإدراك معا ، بخلاف النّوم حيث فيه زوال الإدراك بالحواسّ فقطّ ، فعدم ظهور الفعل لازم للموت بحيث لا يظهر فعل معه أصلا بخلاف النّوم ، فإنّ الفعل معه موجود في الجملة.
(٢) أي هو من جملة مقول قيل : أي فالحقّ أنّ الجامع بين الرّقاد والموت هو البعث بناء على أنّه موضوع للقدر المشترك بين الإيقاظ والنّشر بعد الموت ، وذلك القدر هو ردّ الإحساس السّابق.
(٣) أي لكون البعث في النّوم ممّا لا شبهة فيه لأحد بخلاف البعث في الموت فقد أنكره قوم ، فقوله : «لكونه ممّا لا شبهة فيه لأحد» ، علّة لكونه أشهر في النّوم.
(٤) أي قرينة الاستعارة المانعة عن إرادة المعنى الحقيقي للرّقاد ، أعني النّوم في هذه الآية هي كون هذا الكلام كلام الموتى مضافا إلى آخر الآية النّاطق بأنّ الله الّذي وعد بالنّشور ، لأنّ ما وعد الرّحمن وصدق المرسلون هو البعث من الموت لا الرّقاد بالمعنى الحقيقي ، فلهذه الاستعارة قرينتان الأولى معنويّة والثّانية لفظيّة.
(٥) أي بلّغ الأمّة الأحكام الّتي أمرت بتبليغها لهم تبليغا واضحا ، فشبّه التبليغ بالصّدع وهو كسر الشّيء الصّلب ، واستعير اسم المشبّه به للمشبّه ، واشتقّ من الصّدع اصدع بمعنى بلغ ، والجامع التّأثير في كلّ ، أمّا في التبليغ فلأنّ المبلغ أثّر في الأمور المبلّغة ببيانها
__________________
(١) سورة يس : ٥٢.
(٢) سورة الحجر : ٩٤.