[أجفاني كأنّي* أعدّ بها على الدّهر الذّنوبا ، فإنّه ضمن وصف اللّيل بالطّول الشّكاية من الدّهر].
[ومنه] أي من المعنوي : [التّوجيه] ويسمّى محتمل الضّدين [وهو إيراد الكلام محتملا لوجهين مختلفين] أي متباينين متضادّين كالمدح والذّم مثلا ، ولا يكفي مجرّد احتمال معنيين متغايرين (١) [كقول من قال لأعور : ليت عينيه سواء] ، فإنّه يحتمل تمنّي صحّة العين العوراء ، فيكون دعاء له ، والعكس فيكون دعاء عليه.
قال [السّكّاكي : ومنه] أي ومن التّوجيه [متشابهات القرآن باعتبار] وهو احتمالها (٢) لوجهين مختلفين وتفارقه (٣) باعتبار آخر وهو عدم استواء الاحتمالين لأنّ أحد المعنيين في المتشابهات قريب ، والاخر بعيد لما ذكره السّكّاكي نفسه من أنّ أكثر متشابهات القرآن من قبيل التّورية والإيهام ، ويجوز أن يكون وجه المفارقة هو أنّ المعنيين في المتشابهات لا يجب تضادّهما.
________________________________________________________
والأجفان جمع جفن ، كفلس ، وهو غطاء العين من أعلى وأسفل. كأنّي في حالة تقليبها «أعدّ بها» ، أي بالأجفان ، أي بتحريكها وتقليبها ، فجعل أجفانه كالسّبحة أو الأصابع يعدّ بها على الدّهر «الذّنوبا» ، أي ذنوب الدّهر الّتي فعلها معه من تفريقه بينه وبين الأحبّة ، ومن عدم استقامة الحالة ، فليس المراد ذنوب الشّاعر الّتي فعلها في الدّهر إذ لا معنى لعدّها على الدّهر.
وأمّا الشّاهد : «فإنّه ضمن وصف اللّيل بالطّول» ، وهو المعنى المسوق له الكلام أولا ، فأدمج فيه «الشّكاية» من الدّهر ، فلو صرّح بالشّكاية أوّلا لم يكن ذلك من الإدماج.
(١) كأن يقال : رأيت العين في مقام يحتمل العين الجارية والباكية مثلا على السّواء ، فإنّه ليس من التّوجيه ، لأنّ المعنيين متغايرين ، ولا تضادّ بينهما ، وإنّما التّوجيه «كقول من قال لأعور : ليت عينيه سواء» ، فإنّه يحتمل تمنّي أن تصير العين العوراء صحيحة ، فيكون مدحا وتمنّي خير ، وبالعكس فيكون ذمّا.
(٢) أي احتمال المتشابهات في الجملة لوجهين مختلفين ، فبهذا الاعتبار تكون متشابهات القرآن من التّوجيه.
(٣) أي وتفارق المتشابهات التّوجيه باعتبار آخر ، وهو عدم استواء الاحتمالين ، يعني لأنّ أحد المعنيين المتشابهين قريب ، وهو غير مراد ، والآخر بعيد وهو المراد بالقرينة.