الّتي جعلها السّكّاكي قرينة المكنّى عنها حقيقة (١) ، بل قدّرها مجازا [فتكون] التبعيّة كنطقت الحال مثلا [استعارة (٢)] ضرورة أنّه مجاز علاقته المشابهة ، والاستعارة في الفعل لا تكون إلّا تبعيّة [فلم يكن ما ذهب إليه] السّكّاكي من ردّ التبعيّة إلى المكنّى عنها [مغنيا عمّا ذكره غير] من تقسيم الاستعارة إلى التبعيّة وغيرها ، لأنّه (٣) اضطرّ آخر الأمر إلى القول بالاستعارة التبعيّة.
وقد يجاب (٤) بأنّ كلّ مجاز تكون علاقته المشابهة لا يجب أن يكون استعارة ، لجواز أن يكون له علاقة أخرى باعتبارها وقع الاستعمال كما بين النّطق والدّلالة فإنّها لازمة للنّطق ، بل إنّما يكون استعارة إذا كان الاستعمال باعتبار علاقة المشابهة وقصد المبالغة في التّشبيه.
________________________________________________________
(١) أي مفعول (جعل) في قوله : «جعلها».
(٢) أي لا قرينة للاستعارة بالكناية ولا مجازا مرسلا ، وإنّما كانت ـ استعارة لا مجازا مرسلا ، لكون العلاقة بين المعنيين هي المشابهة.
(٣) أي لأنّ السّكّاكي اضطرّ آخر الأمر إلى القول بالاستعارة التبعيّة ، فقد فرّ من شيء وعاد إليه ، لأنّه حاول إسقاط الاستعارة التبعيّة ، ثمّ آل الأمر على هذا الاحتمال إلى إثباتها ، كما أثبتها غيره.
(٤) أي قد يجاب عن لزوم القول بالاستعارة التبعيّة.
وحاصل الجواب :
أن نختار الشّق الثّاني ، وهو أنّ التبعيّة الّتي جعلها قرينة للمكنيّة ليست حقيقة ، بل مجاز ، وقولكم : فتكون استعارة في الفعل والاستعارة فيه لا تكون إلا تبعيّة ، ممنوع ، لأنّ ذلك لا يلزم إلّا لو كان السّكّاكي يقول إنّ كلّ مجاز يكون للمكنّى عنها يجب أن يكون استعارة ، فيلزم من كونها استعارة في الفعل أن تكون تبعيّة ، ولماذا لا يجوز أن يكون ذلك المجاز الّذي جعله قرينة للمكنّى عنها مجازا آخر غير الاستعارة بأن يكون مجازا مرسلا ، وحينئذ فلا يلزم القول بالاستعارة التبعيّة.
فللسّكّاكي أن يقول : إنّ (نطقت) في قولنا : نطقت الحال بكذا ، مجاز عن دلالة الحال ، أي إفهامه للمقصود لكن لا يلزم أن يكون استعارة ، لأنّ الاستعمال إنّما هو بعلاقة اللزّوم ، أي لاستلزام النّطق الدّلالة على المقصود لا باعتبار علاقة المشابهة وهو تشبيه النّطق بها في وجه مشترك بينهما وهو التّوصل بكلّ منهما إلى فهم المقصود.