لأنّه جمع بين معنيين متقابلين في الجملة (١). ـ [والمراد بالتّوافق خلاف التّقابل (٢)] حتّى لا يشترط أن يكونا متناسبين أو متماثلين ، فمقابلة الاثنين بالاثنين [نحو : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً)(١)] أتى بالضّحك والقلّة المتوافقين ، ثمّ بالبكاء والكثرة المقابلين لهما ، ومقابلة الثّلاثة بالثّلاثة [نحو قوله (٣) :
ما أحسن الدّين والدّنيا إذا اجتمعا |
|
وأقبح الكفر والإفلاس بالرّجل] |
أتى بالحسن والدّين والغنى ، ثمّ بما يقابلها من القبح والكفر والإفلاس على التّرتيب ، ومقابلة الأربعة بالأربعة (٤) نحو : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى)(٢) والتّقابل بين الجميع ظاهر.
________________________________________________________
(١) أي من غير تفصيل وتعيين ، لكون التّقابل على وجه مخصوص دون آخر ، لأنّ ذلك لا يشترط في الطّباق حتّى يمكن إخراج المقابلة عن الطّباق ، فيصدق حده عليها.
(٢) أي المراد بالتّوافق هو عدم التّقابل وعدم التّنافي ، فيشمل ـ المناسبين.
(٣) أي قول أبي دلامة وهو من شعراء الدّولة العباسيّة ، فقد قابل أحسن بأقبح ، والدّين بالكفر ، والدّنيا بالإفلاس ، فالمراد بالدّنيا اليسار.
(٤) الإعطاء مقابل للبخل ، والتّقوى مقابل للاستغناء ، والتّصديق مقابل للتّكذيب ، ومجموع (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) مقابل لمجموع (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) ، إذ ليس المقابلة بين الجزئين الأوّلين منهما لاتّحادهما ، ولا بين الآخرين لعدم استقلالهما ، والمقابلة إنّما تكون بين متقابلين مستقلّين ، ولمّا كان التّقابل بين الجميع ظاهرا إلّا بين الاتّقاء والاستغناء بيّنه بقوله : والمراد ب (وَاسْتَغْنى) فلا بدّ أوّلا من بيان وجه عدم ظهور التّقابل بين الاتّقاء والاستغناء ، ثمّ بيان ما أشار إليه المصنّف ، أمّا عدم ظهور التّقابل بينهما ، فلأنّ التّقوى إمّا أن تفسّر برعاية أوامر الله تعالى ونواهيه ، والاعتناء بها خوفا منه تعالى ، أو محبّة فيه ، أو تفسّر بنفس خوف الله ، أو محبّته الموجب كلّ منهما لتلك الرّعاية. وأمّا الاستغناء فإن كان معناه عدم طلب المال لكثرته ، فلا يقابل التّقوى بذلك المعنى ، وإن كان معناه عدم طلب الدّنيا للقناعة ، فكذلك وإن كان شيئا
__________________
(١) سورة التّوبة : ٨٢.
(٢) سورة اللّيل : ٥ ـ ١٠.