والأظهر (١) أنّ الطّيران هو قطع المسافة بالجناح ، والسّرعة لازمة له في الأكثر لا داخلة في مفهومه ، فالأولى أن يمثّل باستعارة التّقطيع (٢) الموضوع لإزالة الاتّصال بين الأجسام الملتزقة بعضها ببعض لتفريق الجماعة ، وإبعاد بعضها عن بعض في قوله تعالى : (وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ)(١) (٣) ، والجامع إزالة الاجتماع الدّاخلة في مفهومهما ، وهي (٤) في القطع أشدّ.
________________________________________________________
(١) أي هذا اعتراض من الشّارح على المصنّف ، وحاصل الاعتراض أنّ ما ذكره المصنّف من أنّ الجامع ، أعني قطع المسافة بسرعة ، داخل في مفهوم الطّرفين أعني الطّيران والعدو غير صحيح ، لأنّ الجامع داخل في مفهوم العدو دون الطّيران ، لأنّ الطّيران هو قطع المسافة بالجناح والسّرعة لازمة له في الأكثر ، أي بالنّظر إلى الغالب إذ قد يكون الطّيران قطع المسافة بالجناح من غير سرعة ، فالسّرعة غير داخلة في مفهومه ، بحيث إنّه لا يوجد بدونها ، بخلاف العدو فإنّ السّرعة داخلة في مفهومه ، وحينئذ فلا يتمّ ما قاله المصنّف من التّمثيل.
ثمّ تعبير الشّارح بالأظهر إشارة إلى إمكان الجواب عن الاعتراض المذكور بأنّ الجامع يمكن أن يكون قطع المسافة لا قطع المسافة بسرعة ، ولا شكّ أنّ قطع المسافة داخل في مفهوم الطّرفين ، ولهذا قال فالأولى أنّ يمثل ...
(٢) أي هذا اللّفظ الموضوع لإزالة الاتّصال ... أي استعارة هذا اللّفظ لتفريق الجماعة وإبعاد بعضها عن بعض ، أي الموضوع لإزالة الاجتماع بقيد كون الأشياء المجتمعة غير ملتزق بعضها ببعض.
(٣) والشّاهد في ذكر القطع وإرادة التّفريق ، والجامع وهو إزالة الاجتماع داخل في مفهومهما.
(٤) أي إزالة الاجتماع في القطع أشد وأقوى لتأثير الاتّصال الأشدّ ، وبيان الاستعارة في الآية أن يقال اعتبر تشبيه التّفريق بالتّقطيع بجامع إزالة الاجتماع في كلّ واحد منهما ، واستعير التّقطيع للتّفريق ، واشتقّ من التّقطيع قطعنا بمعنى فرّقنا ، فهي استعارة تصريحيّة تبعيّة.
__________________
(١) سورة الأعراف : ١٦٨.