أو (١) رجل في شعفة في غنيمة له يعبد الله حتّى يأتيه الموت ، قال جار الله : الهيعة الصّيحة (٢) الّتي يفزع منها ، وأصلها من هاع يهيع إذا جبن (٣) ، والشّعفة رأس الجبل ، والمعنى خير النّاس رجل أخذ بعنان فرسه واستعدّ (٤) للجهاد في سبيل الله ، أو رجل اعتزل النّاس وسكن في رؤوس بعض الجبال في غنم له قليل (٥) يرعاها ، أو يكتفي بها في أمر معاشه ، ويعبد الله حتّى يأتيه الموت ، واستعار الطّيران للعدو ، والجامع داخل في مفهومهما [فإنّ الجامع (٦) بين العدو والطّيران هو قطع المسافة بسرعة وهو داخل فيهما] ، أي في مفهوم العدو والطّيران ، إلا أنّه (٧) في الطّيران أقوى منه في العدو.
________________________________________________________
(١) أي أو في قوله : «أو رجل» للتّقسيم ، فخير النّاس مقسم لهذين القسمين وليست للتّرديد والشّعفة بفتح الشّين المعجمة وتحريك العين المهملة وبعدها فاء بمعنى رأس الجبل ، و «في» في قوله : «في غنيمة» بمعنى مع غنيمة تصغير غنم ، أي قطعة قليلة.
(٢) أي الصّيحة هي الصّوت المفزع ، أي الموجب للفزع والخوف ، فقوله : «الّتي يفزع منها» أي يخاف من أجلها.
(٣) أي فالهيعة في الأصل معناها الجبن ، واستعمالها في الصّيحة مجاز مرسل ، من باب استعمال اسم المسبّب في السّبب ، وذلك لأنّ الصّيحة لمّا أوجبت الخوف الّذي هو الجبن سمّيت باسمه ، وهو الهيعة.
(٤) أي بحيث إذا سمع أصوات المسلمين المجاهدين عند المحاربة والمقاتلة قدّم لهم بسرعة ، وأخذ قوله : «واستعدّ للجهاد» من قوله : «ممسك بعنان فرسه» فهو كناية عن الاستعداد للجهاد لاستلزامه إيّاه.
(٥) أي القلّة مستفادة من التّصغير ، أي غنيمة.
(٦) أي الجامع بين العدو الّذي هو المستعار له وبين الطّيران الّذي هو المستعار منه ، أعني قطع المسافة بسرعة داخل فيهما ، لأنّه جنس من مفهوم كلّ منهما ، لأنّ الطّيران قطع المسافة بسرعة في الهواء ، والعدو قطع المسافة بسرعة في الأرض.
(٧) أي إلّا أنّ الجامع الّذي هو قطع المسافة بسرعة في الطّيران أقوى منه في العدو ، فلذا جعل الطّيران مشبّها به والعدو مشبّها ، لوجوب كون المشبّه به أقوى من المشبّه في وجه الشّبه الّذي هو الجامع.