كونها موجودة في الخارج وصادرة عنه ـ تعالى ـ ليس إلاّ بحضور نفس وجوداتها الخارجية لا بحصول ماهيتها وارتسام صورها في ذات العالم بحكم المقدّمة الاولى ؛ فعلمه ـ تعالى ـ بجميع الأشياء لا يمكن أن يكون بحصول صور مطابقة لها في ذات العالم ، بل يجب أن يكون بحضورها بأنفسها عنده وانكشافها بذواتها ووجوداتها لديه ، ويلزم منه أن يكون علمه بجميع الأشياء على الوجه الجزئي.
ومنها : انّه لو كان علمه ـ تعالى ـ بالأشياء بالصور القائمة بذاته لزم أن لا يعلم الجزئيات بجزئيتها ـ لا الابداعيات ولا الكائنات الفاسدات ـ ، وأن لا يعلم شيئا منها إلاّ بصورها الذهنية ، ولا ينكشف ذواتها عنده باعتبار وجوداتها العينية. وذلك لانّ كلّ صورة عقلية ولو تخصّصت بألف تخصيص لا يمنع لذاتها المشتركة فيها ، وقد تقدّم انّ العلم الحصولي لا يكون إلاّ كلّيا وانّ مناط العلم على الوجه الجزئي إمّا الاحساس أو العلم الحضوري ، والعلم الحصولي لا يكون إلاّ كلّيا. والسرّ ما أشير إليه من أنّ الصورة العقلية للشيء الحاصلة من اسبابه لا تكون إلاّ كلّية فلا يمكن ارتسام صورة الجزئى من حيث انّه جزئي في ذات المجرّد. على أنّ الجزئي لو كان مادّيا لم ينفكّ صورته عن اللواحق المادّية ـ من الوضع والكمّ وغيرهما ـ ؛ والمجرّد لا يكون محلاّ لها.
ولا ريب في أنّ القول بعدم علمه بالاشياء الجزئية على الوجه الجزئي وعدم انكشاف الأشياء باعتبار وجودها العيني عنده وانحصار علمه بها بالعلم بصورها الذهنية ونفي الشهود العينى عنه ـ سبحانه ـ ، في غاية الضعف والسخافة!. كيف وجميع الموجودات الكلّية والجزئية فائضة عنه ـ تعالى ـ؟! ، وهو مبدأ لكلّ وجود ـ عقليا كان أو حسيا ، ذهنيا كان أو عينيا ـ؟! ، وفيضانها عنه لا ينفكّ عن انكشافها عنده وظهورها لديه ـ كما عرفت فيما سبق ـ. ومن قال : إنّ الواجب لا يعلم الجزئيات إلاّ على وجه كلّى فقد أخطأ وبعد عن الحقّ. بل بعضهم ـ كالغزالى وغيره ـ حكم بكفر القائل بذلك ، وبعضهم لم يكفّره نظرا إلى انّه ما نفى عنه ـ تعالى ـ العلم بشيء من الأشياء ، بل إنّما نفى عنه نحوا من انحاء العلم الّذي هو العلم الحضوري ، وهذا ليس من ضروريات الدين. ويأتي تحقيق ذلك إن شاء الله ـ تعالى ـ.