(خَلَقَكُمْ) (البقرة : ٢١) لا بقوله : (اعْبُدُوا) (البقرة : ٢١) حتى يختص بالناس المخاطبين ، إذ لا معنى لقوله : «اعبدوا لعلكم تتقون».
ومنه قوله تعالى : ([وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ]) (١) عَمَّا تَعْمَلُونَ (هود : ١٢٣) ، فيمن قرأ بالتاء. ويجوز أن يكون المراد ب «ما تعملون» الخلق كلهم ، والمخاطب النبي صلىاللهعليهوسلم (٢) وكلّ سامع أبدا ، فيكون تغليبا ، ولا يجوز أن يعتبر (٣) خطاب من سواه بدونه من غير اعتبار التغليب ، لامتناع (٤) أن يخاطب [٢١٨ / أ] في كلام واحد اثنان أو أكثر من غير عطف أو تثنية أو جمع. ومنه قوله [تعالى] (٥) ...
الثالث
تغليب العاقل على غيره
بأن يتقدم لفظ يعم من يعقل ومن لا يعقل فيطلق اللفظ المختص بالعاقل على الجميع ، كما تقول : «خلق الله الناس والأنعام ورزقهم» ، فإن لفظ «هم» مختصّ بالعقلاء. [ومنه قوله تعالى] (٦) : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) (النور : ٤٥) ، لمّا تقدم لفظ الدابة ، والمراد بها عموم من يعقل ومن لا يعقل غلّب من يعقل ، فقال : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي) (النور : ٤٥).
فإن قيل : هذا صحيح في «فمنهم» لأنّه لمن يعقل ؛ وهو راجع إلى الجميع ، فلم قال : «من» وهو لا يقع على العامّ ، بل خاصّ بالعاقل؟
قلت : «من» هنا بعض «هم» وهو ضمير من يعقل.
فإن قلت : فكيف يقع على بعضه لفظ ما لا يعقل؟
قلت : «من» هنا قال أبو عثمان (٧) : إنه تغليب من غير عموم لفظ متقدّم ، فهو بمنزلة من يقول : رأيت ثلاثة : زيدا وعمرا وحمارا.
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) انظر مفتاح العلوم للسكاكي ص ٢٤٢ تقييد الفعل.
(٣) في المخطوطة (أن يعتبر من خطاب من سواه).
(٤) في المطبوعة (الامتنان) والصواب ما في المخطوطة.
(٥) كذا في المطبوعة والمخطوطة ، الكلام مبتور.
(٦) ليست في المخطوطة.
(٧) هو بكر بن محمد بن بقية أبو عثمان المازني ، تقدم التعريف به في ٢ / ٣٦٥.