حكاية عن فرعون : (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) (طه : ٤٩) ، ولم يقل : «وهارون» (١) لأن موسى المقصود المتحمل أعباء الرسالة ، كذا قاله ابن عطية.
وغاص الزمخشريّ فقال (٢) : أراد أن يتم الكلام فيقول : «وهارون» ، ولكنه تكل عن خطاب هارون توقيا لفصاحته وحدّة جوابه ووقع خطابه ؛ إذ الفصاحة تنكّل الخصم عن الخصم للجدل (٣) ، وتنكّبه عن معارضته.
السادس : أن يذكر شيئان ، ثم يعود الضمير إلى أحدهما دون الآخر ، كقوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) (الجمعة : ١١) ، قال الزمخشريّ (٤) : تقديره : إذا رأوا تجارة [انفضوا إليها] (٥) ، أو لهوا انفضوا إليه ؛ فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه.
ويبقى عليه سؤال ؛ وهو أنه : لم أوثر ذكر التجارة (٦)؟ وهلاّ أوثر اللهو؟
وجوابه ما قاله الراغب (٧) في تفسير سورة البقرة [١٨٤ / أ] : إن التجارة لما كانت [سبب] (٨) انفضاض الّذين نزلت فيهم هذه الآية أعيد الضمير إليها. ولأنه قد تشغل التجارة عن العبادة ما لا يشغله اللهو.
واختلف في مواضع : منها قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) (التوبة : ٣٤) ، فإنه سبحانه ذكر الذهب والفضة ، وأعاد الضمير على الفضة وحدها ؛ لأنها أقرب المذكورين ؛ ولأنّ الفضّة أكثر وجودا في أيدي الناس ؛ والحاجة إليها أمسّ ، فيكون كنزها أكثر ، وقيل أعاد الضمير على المعنى ؛ لأن المكنوز دنانير ودراهم وأموال. ٣ / ١٢٧
ونظيره : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) (الحجرات : ٩) ؛ لأنّ الطائفة جماعة. وقيل : من عادة العرب إذا ذكرت شيئين مشتركين في المعنى تكتفي بإعادة (٩) الضمير على أحدهما استغناء بذكره عن الآخر اتكالا (١٠) على فهم السامع ، كقول حسّان.
__________________
(١) في المخطوطة (هارون).
(٢) في الكشاف ٢ / ٤٣٥. بتصرف.
(٣) في المخطوطة (الجدلي).
(٤) في الكشاف ٤ / ٩٩.
(٥) ليست في المخطوطة.
(٦) في المخطوطة (العادة).
(٧) الأصفهاني تقدم التعريف فيه في ١ / ٢١٨.
(٨) ساقطة من المخطوطة.
(٩) في المخطوطة (باعتبار).
(١٠) في المخطوطة (إشكالا).