والكون الروحي وإن احتوى جزئيا على الشر ، إلّا أنه ضعيف وقليل. قال الله سبحانه (١) : (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً). وقال (٢) : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي).
فالتسبب إلى الخير في مجموع الكون أضعاف أضعاف التسبيب إلى الشر. والتسبيب إلى الشر قليل وضعيف. فيعبر عنه مجازا بالأنثى. لأن الرجل أقوى من المرأة. فيكون المراد الاستعاذة من التسبيبات الضعيفة الموجودة في الكون للشر. وفي الآية إشعار واضح للقلة النسبية للنفاثات. وهو صحيح. لضئلة أسباب الشر بإزاء أسباب الخير. كما قلنا.
فإن قلت : لكن في الآية إشعارا بقوة النفث وعمق أثره. فكيف قلنا : إنه ضعيف بإزاء قوى الخير؟
قلت : إن ما قلناه في قوى الخير ، يشمل الكون المادي والروحي معا. أما تأثيره على وجه الأرض فليس ضعيفا ولا قليلا. مضافا إلى أن قلته لا تعني ضعفه وعدم تأثيره فهو قليل ولكنه شديد.
وهذا هو الذي يشير إليه سياق الآية. أما دنيويا فلأنه يوجب شدة الضيق. وأما أخرويا فلأنه طريق جهنم.
وبتعبير آخر : إن سياق الآية يدل على قوة النفث وعمق تأثيره ، باعتبار أن الشر عليّ غالبا ، والخير اقتضائيّ غالبا.
سؤال : لما ذا عرّف الله سبحانه النفاثات ، ونكّر ما قبلها وما بعدها وهما : الغاسق والحاسد؟
جوابه من وجهين :
الأول : ما ذكره الرازي في هامش العكبري حيث قال (٣) : لأن كل نفاثة
__________________
(١) النساء / ٧٦.
(٢) إبراهيم / ٢٢.
(٣) هامش كتاب (إملاء ما من به الرحمن) ج ٢ ص ١٦٠ ...