في الرواية في مصادر الفريقين (١) : إن الشيطان جاثم على قلب كل إنسان ، فإذا ذكر الله خنس ، وإذا غفل وسوس. والوسوسة كلام يشعر به الإنسان في ذاته ، لذا يقول الشاعر :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنّما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا |
فالإنسان يستطيع أن يتحدث مع نفسه ، ويشعر كأن أحدا في باطنه يتحدث معه. فإذا كان هذا الحديث باطلا ، فهو من الوسوسة.
ومحل الشاهد : إن عمل الشيطان ليس الوسوسة فقط ، بل يعمل أعمالا عديدة في باطن النفس ، ولذا كانت الاستعاذة من شرّه مطلقا ، وليس الأمر خاصا بالوسوسة.
سؤال : إنه قد يشعر الفرد بأن الاستعاذة من خصوص الوسوسة لا من مطلق أعمال الشيطان. وذلك من قبيل قوله تعالى (٢)(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ). أي أحمده بهذه الصفة ولأجل كونه فاعلا لهذا الفعل. وإلّا فمن الناحية اللغوية والعرفية ، إن (الذي) صفة والله موصوف ، ولا دخل له بهذه الجهة.
إلّا أن الإشعار العرفي هو أن الحمد بهذا السبب. وفي القرآن الكريم والأدعية والسيرة اللغوية شواهد كثيرة على ذلك.
فهل تنطبق مثل هذه الفكرة على قوله تعالى : (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ). أي من حيثية الوسوسة دون غيرها؟
جوابه من وجوه :
أولا : إنه يمكن فهم الإطلاق من كلمة (شر) في الآية الكريمة ، وهي عامة لكل الشرور وغير خاصة بالوسوسة.
__________________
(١) انظر نحوه في الميزان ج ٢٠ ص ٣٩٧ ، وانظر تفسير البرهان ج ٤ ص ٥٣١.
(٢) سورة إبراهيم / ٣٩.