قلت : إن الأمر (مفرد الأمور) يشمل الأمر (مفرد الأوامر) لأن الأوامر بهذا المعنى هي أشياء. فالملائكة تحمل أشياء عديدة ، منها عطاء ومنها أوامر.
سؤال : ما هو معنى من في الآية الكريمة؟
جوابه : إنهم ذكروا ل «من» عدة معان :
الأول : إنها بمعنى الباء. أي بكل أمر.
وهذا يمثل بحسب فهمي المرحلة الوسطى ، من المراحل المشار إليها. فيما سبق. والملائكة تحمل أمورا (سواء بمعنى الأشياء أو بمعنى الأوامر) وتنزل بها. قال الله تعالى (١) : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ).
ويرد عليه : أنه يكون المعنى : إنهم حاملون لكل الأمور ونازلون بها.
وهذا ما لا تطيقه الملائكة ، لأن مجموع الأمور والأوامر كثيرة جدا ، بل هي لامتناهية ، والمحدود لا يطيق تحمل غير المحدود.
وجوابه : إننا هنا نحتاج إلى تقييد ما ، أي نقول : بكل أمر خاص. كأن يكون خلال سنة. أو للمخلوقين أو للدنيا. فتكون الأمور والأوامر متناهية ، فلا بأس أن تحملها الملائكة.
فإن قلت : الظاهر عدم الحذف والتقدير. فإنه خلاف الظاهر إلّا بقرينة متصلة.
قلت : إن البحث اللغوي لا يكون له دور هنا. ولكن ـ مع ذلك ـ فإننا يمكن أن نفهم من السياق أن المراد من كل أمر ليس كل الأوامر اللامتناهية. وإنما المتعلقة بالعدل ونحو ذلك. فهي أوامر محددة. أي من كل أمر مناسب. فهو تقييد ارتكازي أو معنوي لا لفظي فيمكن أن تحمله الملائكة.
الثاني : إنها بمعنى «التسبيب» أي تسبيب الأمر الإلهي إلى النزول. أو
__________________
(١) الشعراء / ١٩٣.