للتفرق والاختلاف ، وإنما مع انضمامه إلى المكر وهو البغي. أو قل : إن عندهم آخرة مع الدنيا ، فأطماع الدنيا هي التي توجب البغي.
فإن قلت : إن الله تعالى يستطيع أن ينزل عليهم مقدارا من العلم بما يمنعهم من التفرق والاختلاف. فلما ذا لم ينزل علما غزيرا (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)(١)؟
قلت : إن الله لا يكلف نفسا إلّا وسعها ، ولا يكرههم على الإيمان. كما قال سبحانه (٢) : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ).
وإنما ينزل عليهم من العلم ، بمقدار يتصف بصفتين عليا ودنيا :
الصفة العليا : كونه قابلا للهداية ، اقتضاء لا علية.
والصفة الدنيا : أن يكون بمقدار استحقاقهم وتحملهم واحتياجهم ، لا أكثر من ذلك.
فهو علم محدود. بالرغم من تكامله ، لا يمنع تكوينا من استعمال النزوات والشهوات ، لمن يريدها ، فمن حدّه ذاك يتصرف أهل البغي والمنافقون.
خامسا : من احتمالات التفرق : انشعاب أهل الكتاب إلى جماعات دنيوية مضافا إلى الجماعات الدينية ، من حيث انقسامهم اقتصاديا أو اجتماعيا ، أو دوليا أو إيديولوجيا وغير ذلك. وهذا مما حصل فعلا ، وعلى نطاق واسع.
قال في الميزان (٣) : كانت الآية الأولى : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) ... إلخ. تشير إلى كفرهم بالنبي صلىاللهعليهوآله وكتابه المتضمن للدعوة الحقة ، وهذه الآية تشير إلى اختلافهم السابق على الدعوة
__________________
(١) الشعراء / ٤.
(٢) البقرة / ٢٥٦.
(٣) ج ٢٠ ، ص ٣٣٨.