لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ). وقال أيضا عن الشهداء (١) : (أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).
وإنما كان ذلك هو الانصراف العرفي ، باعتبار تقيد محسوساتنا بالمكان والزمان والحياة الدنيا ، وعادتنا عليها. وإلّا فمن الواضح أن الفرد الأهم والأفضل هو الحياة الأخرى. ويمكن فهم ذلك على أحد مستويين :
المستوى الأول : لذة النفس ، أو قل : لذة البطن والفرج ، في الجنة ، كما هو ظاهر القرآن. قال تعالى (٢) : (وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ). وقال (٣) : (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ).
المستوى الثاني : لذة الروح. قال تعالى (٤) : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) ... أي إن الحياة هي تلك ، وليست هنا. بدليل فهم الحصر من الآية ، كما هو معلوم. وقال تعالى : (أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ). أي بالرزق المعنوي المناسب لكونهم هناك لا لذة البطن والفرج.
سؤال : كيف قال : عيشة راضية؟
جوابه : إن هذا تعبير مجازي حتما. لأن العيشة لا تتصف بالرضا ، لأن الرضا جانب نفسي أكثر منه خارجي. فالمراد : عائش راضي أو عائش مرضي ـ بالفتح ـ قال تعالى (٥) : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ). أو المراد عيشة مرضية لصاحبها ، من قبيل استعمال اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول مجازا. وهو موجود في اللغة.
أو هي عيشة مرضية لله عزوجل : أما في الدنيا باعتبار أنه سبحانه يريد لنا الطاعات والقربات ، وأما في الجنة ، باعتبار أنه سبحانه يريد لنا دخول
__________________
(١) آل عمران / ١٦٩.
(٢) الواقعة / ٢٢ ـ ٢٣.
(٣) الواقعة / ٢٠ ـ ٢١.
(٤) العنكبوت / ٦٤.
(٥) المائدة / ١١٩.