الثاني : لا يلمز بعضكم بعضا. والمراد جميع المجتمع ، والضمير للجمع ، في الموضعين : ولا تلمزوا أنفسكم ، وهو القرينة المتصلة على كونه كذلك. وهذا الوجه أكثر وضوحا مما قاله الراغب.
وأضاف الراغب : ورجل لمّاز ولمزة كثير اللمز. قال تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ). أقول : إننا بعد أن اطلعنا على المعاني اللغوية لكل منهما ، يظهر أن كليهما بمعنى الاغتياب ، أو قل : مطلق الأذية. فيكونان كالمترادفين ، وربما يرجح أن اللمزة اتباع ، ولا يراد بها معنى مستقل عن الهمزة.
ولكن ـ مع ذلك ـ يمكن تقديم عدة أطروحات محتملة للاختلاف. وخاصة إذا قلنا إن الظهور بالاختلاف ثابت فيهما. حسب قاعدة : إذا اجتمعا افترقا.
الأطروحة الأولى : إن الهمز في الغياب اللمز في الحضور. كما تدل عليه بعض الآيات. قال تعالى (١) : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ). وقال (٢) : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ). وكلاهما واضح في الحضور.
الأطروحة الثانية : إن الهمز مطلق الأذية والاغتياب ، بأي سبب كان. واللمز الأذية في محل معين والطلب غير المناسب ، وعلى خلاف الحكمة. كما أشارت إليه الآيتان والأخيرتان. بحيث يكون نوعا من الإزعاج.
ونلاحظ أن اللمز لم ينسب إلى الشياطين ، بخلاف الهمز ، فإنه نسب إليهم. وهو دليل الاختلاف.
ولا يقال : إنه تعالى اختار ذلك ، فلا يكون دليلا على الاختلاف.
فإنه يقال : إن الارتكاز المتشرعي والعرفي على صحة الاختلاف.
الأطروحة الثالثة : إن المعنى الاجمالي لهما يذهب فيه الذهن كل مذهب ، من حيث لا يحتمل الترادف.
__________________
(١) التوبة / ٧٩.
(٢) التوبة / ٥٨.