وهذا هو الموافق مع ظاهر مادة أعبد ، ومفادها كلي العبادة ، فيكون المراد من الموصول كليا ، والكلي لا يعقل. ويكون المعنى : أنتم لا تعبدون معبودي وأنا لا أعبد معبودكم.
الوجه الخامس : إن ك «من» الموصولة حدين : حدّا أدنى ، وهو المشهور ، حيث قالوا : إنها لمن يعقل ، وما لغير العاقل. وحدا أعلى ، وهو ما نعبر عنه بعالم الخلق أو عالم الإمكان أو عالم المحدودية.
أما ما كان أعلى من هذه العوالم الثلاثة وهي الإمكان والخلق والمحدودية ، فهو خارج عن حد «من» الموصولة ، وهو الله تعالى ، فإنه أعلى من عالم الإمكان لأنه واجب الوجود ، وأعلى من عالم الخلق لأنه الخالق. وأعلى من عالم المحدودية لأنه لامتناه بذاته وصفاته. إذن فهو أعلى من أن نعبّر عنه ب (من) لأنه أعظم من كل من «يعقل».
إذن ، فمن ، حدها الأدنى البهائم ، وحدها الأعلى من كانت حكمته وعقله غير محدود. فلا نعبّر عن كلا الحدين بمن التي هي للعاقل ، فيتعين التعبير عنه بأسماء موصولة أخرى.
فهذه أيضا ، أطروحة صالحة للجواب.
سؤال : هل إن ما موصولة أم مصدرية؟ حيث قال العكبري (١) : يجوز أن تكون ما بمعنى الذي والعائد محذوف. وأن تكون مصدرية ولا حذف. والتقدير : لا أعبد مثل عبادتكم.
جوابه : إننا نلاحظ هنا أن ما دخلت على الفعل المضارع ثلاث مرات ، وعلى الماضي مرة واحدة ، فنحن بين أمرين :
فإما أن نقول : إن المصدرية كما تدخل على الفعل المضارع فإنها تدخل أيضا على الفعل الماضي ، أو إنها لا تدخل على الفعل الماضي لأنها لا تسبك مع الماضي بمصدر. إذن فقوله : ما عبدتم ، لا يمكن أن تكون مصدرية.
__________________
(١) ج ٢ ، ص ١٥٨.