قوله «والحرف» الخ : اختلف المتكلمون والحكماء في الحرف : فالمتكلمون لما منعوا من قيام العرض بالعرض ، منعوا من كون الحرف هيئة عارضة للصوت ، بل جعلوه من جنس الصوت وقسما منه.
والحكماء لما جوزوا قيام العرض بعرض آخر ـ وهو الحق ـ عرفوه بأنه هيئة عارضة للصوت يتميز بها عن صوت آخر مثله تميّزا في المسموع. فالهيئة شاملة له ولغيره ، وقولنا «عارضة للصوت» يخرج به هيئة عارضة لغيره من الاعراض ، كالسرعة العارضة للحركة ، وكالهيئات العارضة للاجسام.
وقولنا «يتميز بها عن صوت آخر مثله تميزا في المسموع» يخرج به ما يحصل به التميز من الهيئات العارضة للصوت ، لكنه لا في المسموع ، بل اما في الطبع ، ككون الصوت (١) طيبا والاخر غير طيب ، أو في الكم ككون أحد الصوتين طويلا والاخر قصيرا ، فان ذلك يفيد التميّز لكن في الطبع أو المقدار.
وبيان كون الحرف هيئة : أن الهواء الداخل الى القلب لترويح القلب قبل وصوله الى القلب يدخل الى الرية ليعتدل فيها ، بحيث يكون قريبا من مزاج القلب ، ثم يدخل الى القلب بعد ذلك ، فيسخن بحرارة القلب ، فيصير كلا على القلب ، فينفضه ليدخل عليه غيره ، فيدخل الى الرية كما كان أولا.
ثم ان الرية تدفعه أيضا لحصول غيره ، فيخرج فيحصل بينه وبين الحنجرة مقارعة ومقاومة لصلابة الحنجرة ، فيحدث الصوت ، ثم انه يصل الى المخارج المعهودة ، فيعرض له انقطاع عند كل واحد منها ، فيحصل له هيئة حينئذ وتلك الهيئة هي الحرف.
__________________
(١) فى «ن» : ككونه صوتا.