بعد شهر للوزير : «أطلب لي معشوقاً فقد عشقت منذ شهرا».
ولعمري إن تلاوة الأدعية الملحونة لمعشر العوام الغير الملتفت إلى المعنى أصلاً ، ليس فيها جهة حسن يُتدارك بها الأوقات المضيَّعة ، بل الأولى لأمثال هؤلاء أن يدعوا ربَّهم بأي لسان يفهمون ويقدرون.
ألا ترى أن صاحب السواد الناقص ربما يقرأ بعض العبارات ؛ فيكون عرض المدح قدح ، وعوض الدعاء لعنة. وقد اشتهر أن رجلاً من الناقصين كان يقرأ زيارة سيد الشهداء ـ روحي له الفداء ـ في حرم أمير المؤمنين عليهالسلام من البياض ، فقرأ هذه الفقرة : السلام على الثمر الجَنيِّ «السلام على الشمر الجِنّي!» فإن هذا الرجل من بركة جهله قد ارتكب معصيتين : الاُولى تسليمه على الشمر اللعين ؛ حيث اشتبه من لفظ «الثمر» بمعنى «ميوه» ، والثانية توصيفه بالجنّي ؛ فانّ شمر لو كان جنّياً ـ أي مجنوناً ـ فيكون مرفوع القلم غير مؤاخذ في قتل الحسين عليهالسلام ، فيكون هذا الرجل قد هدم أساس حياة الإسلام ومباني شفاعة أئمة الأنام.
فإذا عرفت ذلك وأنّ الذي لابدّ من فهم معناه قبل التلاوة ، فالآن نشرع في شرح دعاء الندبة.
وقبل الخوض فيه فلابد من بيان سنده ، ولم أجد فيه مما أعتمد به عدا ما عن العلامة المجلسي قدسسره في زاد المعاد ، حيث رواه مرسلاً عن الإمام الصادق ـ سلام الله عليه ـ من دون تعرض للكتاب الذي نقله عنه. ولكن في كتاب هدية الزائرين للعالم الوحيد الحاج شيخ عباس القمي ـ سلمه الله ـ من تلامذة المرحوم المبرور المحدث النوري ـ طيّب الله رمسه ـ أنّ دعاء الندبة قد نقل من ثلاث كتب :
أحدها : مزار محمد بن المشهدي الذي يعبِّر عنه المجلسي بالمزار الكبير.
وثانيها : مزار ابن طاووس ، وهو مصباح الزائر.
وثالثها : المزار القديم ، ولعله من مؤلفات القطب الراوندي ١.
وفي كل هذه الكتب لم يُنقل دعاءُ الندبة إلا عن كتاب محمد بن علي بن أبي قرة ، وقد نقله من كتاب محمد بن الحسين بن سفيان البزوفري ؛ إذ قال : هذا الدعاء يُقرأ لحجة العصر ـ عجل الله فرجه ـ ويستحب قراءته في الأعياد الثلاثة ٢ ، الفطر والأضحى والغدير ويوم الجمعة.
__________________
١. هدية الزائرين (حجري) ، ص ٥٠٧.
٢. كذا ، والصحيح : الأعياد الأربعة : فإن يوم الجمعة اعتبر عيداً في بعض الروايات.