إذا كنت أعلم علم اليقين |
|
بأنّ جميع حياتي كساعه |
فلم لا أكون ضنينا بها |
|
وأجعلها في صلاح وطاعه |
وقد ذكرناهما فيما يأتي قريبا من كلام الفتح ، لكوننا نقلنا كلامه بلفظه ، رحمه الله تعالى ، ورضي عنه!.
وقال في القلائد في حق الباجي رحمه الله تعالى ، ما صورته : بدر العلوم اللائح ، وقطرها الغادي الرائح ، وثبيرها الذي لا يزحم ، ومنيرها الذي ينجلي به ليلها الأسحم ، كان إمام الأندلس الذي تقتبس أنواره ، وتنتجع نجوده وأغواره ، رحل إلى المشرق فعكف على الطلب ساهرا ، وقطف من العلم أزاهرا ، وتفنن في اقتنائه ، وثنى إليه عنان اعتنائه ، حتى غدا مملوء الوطاب ، وعاد بلح طلبه إلى الإرطاب ، فكر إلى الأندلس بحرا لا تخاض لججه ، وفجرا لا يطمس منهجه ، فتهادته الدول ، وتلقته الخيل والخول ، وانتقل من محجر إلى ناظر ، وتبدل من يانع بناضر ، ثم استدعاه المقتدر بالله فصار إليه مرتاحا ، وبدا بأفقه ملتاحا ، وهناك ظهرت تواليفه وأوضاعه ، وبدا وخده في سبل الهدى (١) وإيضاعه ، وكان المقتدر يباهي بانحياشه إلى سلطانه ، وإيثاره لحضرته باستيطانه ، ويحتفل فيما يرتبه له ويجريه ، وينزله في مكانه متى كان يوافيه ، وكان له نظم يوقفه على ذاته ، ولا يصرفه في رفث القول وبذاته (٢).
فمن ذلك قوله في معنى الزهد : [المتقارب]
إذا كنت أعلم علم اليقين |
|
بأنّ جميع حياتي كساعه |
فلم لا أكون ضنينا بها |
|
وأجعلها في صلاح وطاعه |
وله يرثي ابنيه وماتا مغتربين ، وغربا كوكبين ، وكانا ناظري الدهر ، وساحري النّظم والنثر : [الطويل]
رعى الله قبرين استكانا ببلدة |
|
هما أسكناها في السّواد من القلب |
لئن غيّبا عن ناظري وتبوّآ |
|
فؤادي لقد زاد التّباعد في القرب |
يقرّ بعيني أن أزور ثراهما |
|
وألصق مكنون التّرائب بالتّرب(٣) |
وأبكي وأبكي ساكنيها لعلّني |
|
سأنجد من صحب وأسعد من سحب |
__________________
(١) في ب ، ه : في سبل العلم. والوخد والإيضاع : ضربان من السير السريع.
(٢) رفث القول : فحش الكلام. وبذاته : وبذاءته.
(٣) الترائب : عظام الصدر مما يلي الترقوتين. والترب : المقصود : تربة القبر.