ومن فرح النفس ما يقتل
(١) وهذه نعمة يقصر عنها النثر والنظم ، ويحسد عليها الهلال والنجم ، بل يسلمان لما استحقته من المراتب ، ويخضعان إليها خضوع المفترض الواجب ، أقر الله بها عيون المسلمين ، وأفاض سحبها على الناس أجمعين ، وحفظها بعينه التي لا تنام ، ووقف على خدمتها الليالي والأيام.
ولما قدم من الأندلس على تونس مدح سلطانها أبا زكريا بقوله : [بحر الكامل]
بشرى ويسرى قد أنار المظلم |
|
نجما وقد وضح الصباح المعلم |
ورنت (٢) عيون الأمن وهي قريرة |
|
وبدت ثغور السعد وهي تبسّم |
فارحل لتونس واعتقد أعلام من |
|
قوي الضعيف به وأثرى المعدم |
حيث المعالي والمعاني والندى |
|
والفضل والقوم الذين هم هم |
أجروا إلى الغايات ملء عنانهم (٣) |
|
سبقا وبذّهم الجواد المنعم |
ساد الإمام الملك يحيى سادة |
|
أعطى الورى لهم القياد وسلموا |
إن الإمارة مذ غدا يقتادها |
|
يقظى وأجفان الحوادث نوّم |
لله منك مبارك ذو فطنة |
|
بزغت فأحجم عندها من يقدم |
يقظان لا وان (٤) ولا متقاعس(٥) |
|
كالدهر يبني ما يشاء ويهدم |
إن صال فالليث الهصور المقدم |
|
أو سال فالغيث المغيث المثجم (٦) |
أعلى منار الحق حين أماله |
|
قوم تبرأت المنابر منهم |
أعلى الإله مكانه وزمانه |
|
والنصر يقدم والسعادة تخدم |
وقال يخاطب ملك المغرب مأمون بن عبد المؤمن ، حين أخذ البيعة لنفسه بإشبيلية ، وكان المذكور بمراكش ولبني سعيد بهذا الملك اختصاص قديم : [بحر البسيط]
__________________
(١) عجز بيت لأبي الطيب المتنبي ، وصدره : فلا تنكرن لها صرعه.
(٢) رنت : نظرت.
(٣) ملء العنان : أراد بكامل حريتهم وقوّتهم.
(٤) الواني : المتخاذل.
(٥) المتقاعس : المتراخي والمبطىء.
(٦) ثجمت السماء : تساقط مطرها بسرعة. والغيث المثجم : المتساقط بسرعة.