مضر مجتابي النمار» فقال : إنما هو مجتابي الثمار ، فقلت : إنما هو مجتابي النمار ، هكذا قرأته على كل من لقيته بالأندلس والعراق ، فقال لي : بدخولك العراق تعارضنا وتفخر علينا؟ أو نحو هذا ، ثم قال لي : قم بنا إلى ذلك ، لشيخ كان في المسجد ، فإن له بمثل هذا علما ، فقمنا إليه وسألناه عن ذلك ، فقال : إنما هو مجتابي النمار كما قلت ، وهم قوم كانوا يلبسون الثياب مشققة جيوبهم أمامهم ، والنمار : جمع نمرة ، فقال بكر بن حماد ، وأخذ بأنفه : رغم أنفي للحق ، وانصرف ، انتهى.
وهذه الحكاية دالة على عظيم قدر الرجلين ، رحمهما الله تعالى ورضي عنهما ، ونفعنا بهما!.
١٥ ـ ومنهم قاسم بن ثابت ، أبو محمد ، العوفي ، السّرقسطي ، رحل مع أبيه فسمع بمصر من أحمد بن شعيب النسائي وأحمد بن عمرو البزار ، وبمكة من عبد الله بن علي بن الجارود ومحمد بن علي الجوهري ، واعتنى بجمع الحديث واللغة هو وأبوه ، فأدخلا إلى الأندلس علما كثيرا ، ويقال : إنهما أوّل من أدخل كتاب العين (١) إلى الأندلس ، وألف قاسم في شرح الحديث كتابا سماه «الدلائل» ، بلغ فيه الغاية في الإتقان ، ومات قبل إكماله ، فأكمله أبوه ثابت (٢) بعده ، وقد روي عن أبي علي البغدادي أنه كان يقول : كتبت كتاب الدلائل ، وما أعلم أنه وضع بالأندلس ، مثله ، وكان قاسم عالما بالحديث واللغة ، متقدما في معرفة الحديث والنحو والشعر ، وكان مع ذلك ورعا ناسكا ، وأريد على القضاء بسرقسطة ، فأبى ذلك ، فأراد أبوه إكراهه عليه ، فسأله أن يتركه ينظر في أمره ثلاثة أيام (٣) ، ويستخير الله تعالى ، فمات في هذه الثلاثة الأيام ، فيروون أنه دعا لنفسه بالموت ، وكان مجاب الدعوة ، توفي سنة ٣٠٣ (٤) بسرقسطة ، رحمه الله تعالى!.
١٦ ـ ومنهم علم الدين أبو محمد المرسيّ اللّورقي (٥) ، وهو قاسم بن أحمد بن موفق بن جعفر ، العلامة ، المقرئ ، الأصولي ، النحوي ، ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة ، وقرأ بالروايات قبل الستمائة على أبي جعفر الحصار وأبي عبد الله المرادي وأبي عبد الله بن نوح
__________________
(١) كتاب العين : للخليل بن أحمد الفراهيدي.
(٢) في ج : فأكمله ابن ثابت بعده. وفي ه : فأكمله أبو ثابت بعده ، وكلاهما تحريف ظاهر الخطأ.
(٣) في ب : في أمره ثلاثا.
(٤) في ب : سنة ٣٠٢.
(٥) ترجمته في غاية النهاية في طبقات القراء ج ٢ ص ١٥.