وحجّ الباجي رحمه الله تعالى أربع حجج جاور فيها ثلاثة أعوام ملازما لأبي ذر عبد الرحمن بن أحمد الهروي ، وكان يسافر معه للسّروات (١) لأن أبا ذر تزوّج من العرب ، وسكن بها.
وأبو ذر المذكور هو عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير الأنصاري المالكي ، ويعرف بابن السماك ، سمع بهراة وسرخس وبلخ ومرو والبصرة وبغداد ودمشق ومصر ، وجاور بمكة ، وألف معجما لشيوخه ، وعمل الصحيح ، وصنف التصانيف ، قال الخطيب : قدم أبو ذر بغداد وأنا غائب ، فحدث بها ، ثم حج وجاور ، ثم تزوّج في العرب ، وسكن السّروات ، وكان يحج كل عام ويحدث ثم يرجع (٢) ، وكان ثقة ضابطا دينا ، وقال الحسن بن بقي المالقي : حدثني شيخي قال : قيل لأبي ذر : من أين تمذهبت بمذهب مالك ورأي الأشعري مع أنك هروي؟ فقال : قدمت بغداد ، وكنت ماشيا مع الدارقطني ، فلقينا أبا بكر بن الطيب ، فالتزمه الدارقطني ، وقبّل وجهه وعينيه ، فلما افترقنا قلت : من هذا؟ قال : هذا إمام المسلمين ، والذابّ عن الدين (٣) ، القاضي أبو بكر بن الطيب. فمن ذلك الوقت تكررت إليه وتمذهبت بمذهبه ، انتهى.
قلت : هذا صريح في أن القاضي أبا بكر الباقلاني مالكي ، وهو الذي جزم به غير واحد ، ولذا ذكره عياض في المدارك في جملة المالكية ، وكذلك شيخ السنة الإمام أبو الحسن الأشعري (٤) مالكي المذهب فيما ذكره غير واحد من الأئمة ، وذكر بعض الشافعية أنهما شافعيان ، والله تعالى أعلم.
وقال عبد الغافر في تاريخ نيسابور : كان أبو ذر زاهدا ، ورعا ، عالما ، سخيا لا يدخر شيئا ، وصار كبير مشيخة الحرم ، مشارا إليه في التصوف ، خرّج على الصحيح تخريجا حسنا ، وكان حافظا ، كثير الشيوخ ، توفي سنة ٤٣٥ ، وقال أبو علي بن سكرة : توفي عقب شوّال سنة ٤٣٤ ، وقال الخطيب : في ذي القعدة من سنة أربع وثلاثين ، رحمه الله تعالى! وأكثر نسخ البخاري الصحيحة بالمغرب إمّا من رواية الباجي عن أبي ذر عبد بن أحمد الهروي المذكور ، وإمّا من رواية أبي علي الصّدفي الشهير المعروف بابن سكرة بسنده.
__________________
(١) السروات ثلاث : واحدة بين تهامة ونجد ، والثانية في بلاد عدوان ، والثالثة تمتد على البحر من الغرب وعلى نجد من الشرق.
(٢) في ب ، ه : ويرجع.
(٣) الذاب عن الدين : المدافع عنه.
(٤) هو أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ، القائم بنصرة مذهب أهل السنة والجماعة ، ولد في سنة ٢٧٠ وتوفي سنة ٣٣٠ ه ، وقيل سنة ٣٢٤ (انظر وفيات الأعيان ط صادر ج ٣ ص ٢٨٤).