ليت لو كان لي إليه سبيل |
|
فأقضّي من الهوى أوطاري(١) |
قال : فلما أكملت الغنا ، أحسست بالمعنى ، فقلت : [الخفيف]
كيف كيف الوصول للأقمار |
|
بين سمر القنا وبيض الشّفار |
لو علمنا بأنّ حبّك حقّ |
|
لطلبنا الحياة منك بثار |
وإذا ما الكرام همّوا بشيء |
|
خاطروا بالنّفوس في الأخطار |
قال : فعند ذلك بادر المنصور لحسامه ، وغلظ في كلامه ، وقال لها : قولي واصدقي إلى من تشيرين ، بهذا الشوق والحنين؟ فقالت الجارية : إن كان الكذب أنجى ، فالصدق أحرى وأولى ، والله ما كانت إلا نظرة ، ولّدت في القلب فكرة ، فتكلّم الحب على لساني ، وبرّح الشوق بكتماني ، والعفو مضمون لديك عند المقدرة ، والصفح معلوم منك عند المعذرة ، ثم بكت فكأن دمعها در تناثر من عقد ، أو طلّ تساقط من (٢) ورد ، وأنشدت :
أذنبت ذنبا عظيما |
|
فكيف منه اعتذاري؟ |
والله قدّر هذا |
|
ولم يكن باختياري |
والعفو أحسن شيء |
|
يكون عند اقتدار |
قال : فعند ذلك صرف المنصور وجه الغضب إليّ ، وسلّ سيف السخط عليّ ، فقلت: أيدك الله تعالى! إنما كانت هفوة جرها الفكر ، وصبوة أيدها النظر ، وليس للمرء إلا ما قدر له ، لا ما اختاره وأمله ، فأطرق المنصور قليلا ثم عفا وصفح ، وتجاوز عنا وسمح ، وخلي سبيلي ، فسكن وجيب قلبي وغليلي ، ووهب الجارية لي فبتنا بأنعم ليلة ، وسحبنا فيها للصّبا ذيله ، فلما شمر الليل غدائره ، وسلّ الصباح بواتره ، وتجاوبت الأطيار بضروب الألحان ، في أعالي الأغصان ، انصرفت بالجارية إلى منزلي ، وتكامل سروري.
قال بعضهم : ذكرتني حكاية أبي المغيرة هذه حكاية قرأتها في النوادر لأبي علي القالي البغدادي حذت في الظرف حذوها (٣) ، وزهت في الإغراب زهوها ، وهي ما أسنده عن منصور البرمكي أنه كانت للرشيد جارية غلامية وكان المأمون يميل إليها ، وهو إذ ذاك أمرد ، فوقفت تصبّ على يد الرشيد من إبريق معها ، والمأمون خلف الرشيد (٤) ، فأشار إليها يقبلها(٥) ،
__________________
(١) في ب ، ه : من حبه أوطاري ، وفي ه : وأقضي.
(٢) الطلّ : المطر الخفيف.
(٣) أمالي القالي ج ١ ص ٢٢٢.
(٤) في ب : والمأمون جالس خلف الرشيد.
(٥) في ب : فأشار إليها كأنه يقبلها.