وقال في ترجمة ذي الوزارتين أبي بكر بن رحيم ، ما صورته : ووصل هو وابن وضاح صهر المرتضى ، وابن جمال الخلافة صاحب صقلية ، إلى إحدى جنات مرسية ، فحلوا منها في قبة فوق جدول مطّرد ، وتحت أدواح طيرها غرد ، فأقاموا يتعاطون رحيقهم ، ويعمرون في المؤانسة طريقهم ، إذا بالجنّان (١) قد وقف عليهم وقال : كان بموضعكم بالأمس صاحب الموضع ومعه شعور منشورة ، وخدود غير مستورة ، قد رفعت عنها البراقع ، وما منها نظرة إلا ومعها سهم واقع ، فاستدعى فحما وكتب في إحدى زوايا القبة : [الخفيف]
قادنا ودّنا إليك فجئنا |
|
بنفوس تفديك من كلّ بوس |
فنزلنا منازلا لبدور |
|
وحللنا مطالعا لشموس |
وقال في ترجمة الوزير الكاتب أبي محمد بن عبدون ، ما صورته : حللت بيابرة (٢) فأنزلني واليها بقصرها ، ومكنني من جنى الأماني وهصرها ، فأقمت ليلي ، أجرّ على المجرة ذيلي ، وتتطارد في ميدان السرور خيلي ، فلما كان من الغد باكرني الوزير أبو محمد مسلما ، ومن تنكبي عنه متألما ، ثم عطف على القائد عاتبا عليه ، في كوني لديه ، ثم انصرف وقد أخذني من يديه ، فحللت عنده في رحب ، وهمت علي من البر أمطار سحب ، في مجلس كأن الدراري فيه مصفوفة ، أو كأن الشمس إليه مزفوفة ، فلما حان انصرافي ، وكثر تطلعي إلى مآبي واستشرافي ، ركب معي إلى حديقة نضرة ، مجاورة للحضرة ، فأنخنا عليها أيدي عيسنا (٣) ، ونلنا منها ما شئنا من تأنيسنا ، فلما امتطيت عزمي ، وسددت إلى غرض الرحلة سهمي ، أنشدني : [الطويل]
سلام يناجي منه زهر الرّبا عرف |
|
فلا سمع إلّا ودّ لو أنّه أنف(٤) |
حنيني إلى تلك السّجايا فإنّها |
|
لآثار أعيان المساعي الّتي أقفو |
ثم سرد القصيدة إلى أن قال : وله رحمه الله تعالى : [المتقارب]
سقاها الحيا من مغان فساح |
|
فكم لي بها من معان فصاح(٥) |
وحلّى أكاليل تلك الرّبا |
|
ووشّى معاطف تلك البطاح |
__________________
(١) الجنّان : البستاني.
(٢) يابرة : مدينة في البرتغال.
(٣) العيس : النوق.
(٤) العرف ، بفتح العين وسكون الراء : الرائحة الطيبة.
(٥) المغاني : المنازل ، جمع مغنى. في ب : الروي بالكسر (فصاح).