فعدّ عمّا ترى إذ لا ارتجاع له (١) :
فتذكر ، وقال : ما فعلتم في سؤال ابن عصفور؟ فصدقنا له الحديث ، فأقسم ألّا يخبرنا ما العامل فيه ، ثم قال اللّبلي لطلبته : وأنا أقول لكم مثل ذلك ، فانظروا لأنفسكم ، قالوا : فنظرنا فإذا المسألة مسألة فحص ونظر ، كلما حكمنا بحكم صدّتنا عنه قوانين نحوية ، حتى مضت مدة طويلة ، فوفد علينا بتونس المحروسة أحد طلبة ابن أبي الربيع ، وكان ابن أبي الربيع هذا ساكنا بسبتة ، وهو أحد طلبة الشلوبين أيضا ، ومن كبار هذه الطبقة التي نشأت بعده ، قالوا : فتذاكرنا مع هذا الطالب في مسائل نحوية ، فمرت هذه المسألة في قوله تعالى : (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٩٨) [الشعراء : ٩٨] فقال هذا الطالب : إن هذا الظرف وقع موقع لام العلة ، فعلمنا أن هذا هو الذي أراد الأستاذ أبو علي ، ثم ناقشنا الطالب وقلنا له : إذا جعلته ظرفا فلا بد من العامل ، وإذا جعلته واقعا موقع الحرف كان هذا على شذوذ قول الكوفيين ، والذي يجوز عكسه على مذهب الجميع ، وإنما الأولى أن يقال : إذ حرف معناه التعليل تشترك فيه الأسماء والحروف كما اشتركت في عن ، والله أعلم بغيبه ، انتهى.
١٢٢ ـ ومنهم أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح (٢) القرطبي.
قال الحافظ المقريزي : وفرح بسكون الراء ، وقال الحافظ عبد الكريم في حقه : إنه كان من عباد الله الصالحين ، والعلماء العارفين الورعين ، الزاهدين في الدنيا ، المشتغلين بما يعنيهم من أمور الآخرة ، فيما بين توجه وعبادة وتصنيف ، جمع في تفسير القرآن كتابا خمسة عشر مجلدا ، وشرح أسماء الله الحسنى في مجلدين ، وله كتاب «التذكرة ، في أمور الآخرة» في مجلدين ، وشرح «التفصي» (٣) وله تآليف غير ذلك مفيدة ، وكان مطرح التكلف ، يمشي بثوب واحد ، وعلى رأسه طاقية ، سمع من الشيخ أبي العباس أحمد بن عمر القرطبي صاحب «المفهم ، في شرح مسلم» بعض هذا الشرح ، وحدث عن أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن حفص اليحصبي ، وعن الحافظ أبي علي الحسن بن محمد بن محمد البكري ، وغيرهما ، وتوفي بمنية ابن خصيب (٤) ليلة الاثنين التاسع من شوال سنة ٦٧١ ، ودفن بها ، رحمه الله تعالى!.
__________________
(١) هذا الشطر من قصيدة طويلة للنابغة الذبياني مدح فيها النعمان بن المنذر ومطلع القصيدة :
يا دار مية بالعلياء فالسند |
|
أقوت وطال عليها سالف الأمد |
والبيت هو :
فعدّ عما ترى إذ لا ارتجاع له |
|
وانم القتود على عيرانه أجد |
(٢) هو مؤلف كتاب «جامع أحكام القرآن» في التفسير.
(٣) في ب ، ه : التقصي.
(٤) في ب ، ه : بمنية بني خصيب.