فيها كثير ، والمعايش فيها معتذرة نزرة ، لا سيما أصناف الفضلاء ، وجوامك (١) المدارس قليلة كدرة ، وأكثر ما يتعيش بها اليهود والنصارى في كتابة الطب والخراج ، والنصارى بها يمتازون بالزنّار في أوساطهم ، واليهود بعمائم صفر ، ويركبون البغال ، ويلبسون الملابس الجليلة ، ويأكل أهل القاهرة البطارخ ، ولا تصنع حلاوة القمح إلا بها وبغيرها من الديار المصرية ، وفيها جوار طباخات أصل تعليمهن من قصور الخلفاء الفاطميين ، ولهن في الطبخ صنائع عجيبة ، ورياسة متقدمة ، ومطابخ السكر والمواضع التي يصنع بها الورق المنصوري مخصوصة بالفسطاط دون القاهرة ، انتهى المقصود من هذا الموضع من كلام أبي الحسن النور بن سعيد رحمه الله تعالى :
وقال رحمه الله : [المجتث]
كم ذا تقيم بمصر |
|
معذّبا بذويها |
وكيف ترجو نداهم (٢) |
|
والسحب تبخل فيها |
وقال رحمه الله تعالى : [بحر الكامل]
لابن الزبير مكارم أضحت بها |
|
طير المدائح في البلاد تغرّد |
إن قيدوه وبالغوا في عصره |
|
فالكرم يعصر والجواد يقيّد (٣) |
ولنذكر بعض أخبار والده ، فإنه ممن رحل إلى المشرق وتوفي بالإسكندرية ، وقد ذكر ابنه أبو الحسن في «المغرب» وغيره من أخباره العجائب ، ولا بأس بأن نلم بشيء من ذلك ، سوى ما تقدم ، فنقول :
من أخباره أنه لما اجتاز بمالقة ومشرفها إذ ذاك أبو علي بن تقي (٤) وجّه إليه من نقل أسبابه إلى داره وأقبل عليه منشدا : [بحر الكامل]
أكذا يجوز القطر لا يثني على |
|
أرض توالى جدبها من بعده |
الله يعلم أنها ما أنبتت |
|
زهرا ولا ثمرا بمدة فقده |
عرّج عليها ساعة يا من له |
|
حسب يفوق العالمين بمجده |
__________________
(١) الجوامك : جمع جومك ، وهو راتب الموظف.
(٢) الندى : الكرم ، الجود.
(٣) في ه : «يعقد».
(٤) في ب ، ه : «ابن مبقّى» ، وفي ج : «ابن بقي».