وتذكرت هنا ما رآه في المنام بعض أهل المغرب بالليلة التي انقرض فيها ملك الموحّدين أن شخصا ينشده : [البسيط]
ملك بني مؤمن تولّى |
|
وكان فوق السّماك سمكه |
فاعتبروا وانظروا وقولوا : |
|
سبحان من لا يبيد ملكه |
لا إله إلا هو.
وكان المهدي القائم على العامرين ماجنا فاتكا ، وقال ـ وقد حيّاه في مجلس شرابه غلام بقضيب آس ـ : [الكامل]
أهديت شبه قوامك الميّاس |
|
غصنا رطيبا ناعما من آس |
وكأنّما يحكيك في حركاته |
|
وكأنّما تحكيه في الأنفاس |
وكان المنصور بن أبي عامر حين تغلب على ملك الأمويين غير مكترث بمثل المهدي المذكور ، فسلطه الله تعالى على كل ما أسسه المنصور حتى هدمه ، وأخر كل ما قدمه ، ولم ينفع في ذلك احتياط ولا حزم ، ولا راد للقضاء المبرم الجزم.
[مجزوء الكامل]
والله يحكم ما يشا |
|
ء فلا تكن متعرّضا |
وقد قدمنا شيئا من أخبار المنصور ، ولا بأس أن نلمّ هنا ببعضها وإن حصل منه نوع تكرار في نبذة منها لارتباط الكلام بعضه ببعض.
قال بعض المحققين من المؤرخين : حجر المنصور بن أبي عامر على هشام المؤيد بحيث لم يره أحد منذ ولي الحجابة ، وربما أركبه بعد سنين وجعل عليه برنسا ، وعلى جواريه مثل ذلك ، فلا يعرف منهن ، ويأمر من ينحّي الناس من طريقه ، حتى ينتهي المؤيد إلى موضع تنزهه ، ثم يعود ، غير أنه أركبه بأبهة الخلافة في بعض الأيام لغرض له ، كما ألمعنا به فيما سبق ، وكان المنصور إذا سافر وكّل بالمؤيد من يفعل معه ذلك ، فكان هذا من فعله سببا لانقطاع ملك بني أمية من الأندلس ، وأخذ مع ذلك في قتل من يخشى منه من بني أمية خوفا أن يثوروا به ، ويظهر أنه يفعل ذلك شفقة على المؤيد ، حتى أفنى من يصلح منهم للولاية ، ثم فرق باقيهم في البلاد ، وأدخلهم زوايا الخمول عارين من الطّراف والتّلاد ، وربما سكن بعضهم البادية ، وترك مجلس الأبهة وناديه ، حتى قال بعض من ينقم على المنصور ذلك الفعل من قصيدة : [الكامل]