الغافقي ، وقدم مصر فقرأ بها على أبي الجود غياث بن فارس ، وبدمشق على التاج زيد الكندي ، وسمع ببغداد من أبي محمد بن الأخضر ، وأخذ العربية عن أبي البقاء ، ولقي الجزولي (١) بالمغرب ، وسأله عن مسألة مشكلة في مقدمته ، فأجابه ، وبرع في العربية وفي علم الكلام والفلسفة ، وكان يقرئ ذلك ويحققه ، وأقرأ بدمشق ، ودرس ، وشرح المفصل في النحو في أربع مجلدات فأجاد وأفاد ، وشرح الجزولية والشاطبية ، وكان مليح الشكل ، حسن البزة ، موطّأ الأكناف ، قرأ عليه جماعة ، وتوفي سابع رجب سنة ٦٦١ ، وكان معمرا مشتغلا بأنواع العلوم ، وسماه بعضهم أبا القاسم ، والأوّل أصح.
١٧ ـ ومنهم قاسم بن محمد بن قاسم بن محمد بن سيار ، أبو محمد ، من أهل قرطبة ، وجدّه مولى الوليد بن عبد الملك (٢) ، رحل فسمع بمصر من محمد بن عبد الله بن عبد الحكم والمزني والبرقي والحارث بن مسكين ويونس بن عبد الأعلى وإبراهيم بن المنذر وغيرهم ، ولزم ابن عبد الحكم للتفقه ، وتحقق به وبالمزني ، وكان يذهب مذهب الحجة والنظر وترك التقليد ، ويميل إلى مذهب الشافعي ، ولما قال له ابنه محمد بن القاسم : يا أبت أوصني ، قال : أوصيك بكتاب الله ، فلا تنس حظك منه ، واقرأ منه كل يوم جزءا ، واجعل ذلك عليك واجبا ، وإن أردت أن تأخذ من هذا الأمر بحظ ، يعني الفقه ، فعليك برأي الشافعي ، فإني رأيته أقل خطأ ، قال أبو الوليد بن الفرضي : ولم يكن بالأندلس مثله في حسن النظر والبصر بالحجة ، وقال أحمد بن خالد ومحمد بن عمر بن لبابة : ما رأينا أفقه من قاسم بن محمد فيمن (٣) دخل الأندلس من أهل الرحلة ، وقال أسلم بن عبد العزيز : سمعت عن ابن عبد الحكم أنه قال : لم يقدم علينا من الأندلس أحد أعلم من قاسم بن محمد ، ولقد عاتبته في حين انصرافه إلى الأندلس ، وقلت له : أقم عندنا فإنك تعتقد (٤) ههنا رياسة ويحتاج الناس إليك ، فقال : لا بدّ من الوطن ، وقال سعيد بن عثمان (٥) : قال لي أحمد بن صالح الكوفي : قدم علينا من بلادكم رجل يسمى قاسم بن محمد ، فرأيت رجلا فقيها.
وألف رحمه الله تعالى كتابا نبيلا في الرد على ابن مزين وعبد الله بن خالد والعتبي يدل على علمه ، وله كتاب في خبر الواحد.
__________________
(١) الجزولي : انظر وفيات الأعيان ـ تحقيق محيي الدين عبد الحميد ج ٣ ص ١٥٧.
(٢) في الجذوة : مولى هشام بن عبد الملك.
(٣) في ب ، ه : ممن دخل الأندلس.
(٤) في ب ، ه : تقتعد ، وهو أصح.
(٥) هو سعيد بن عثمان الأعناقي.