أطال الله سبحانه
بقاء ناصر الدولة ، ومحيي الملة ، الذي حسن بلقياه العيش ، وتزين بمحياه الجيش ،
وراق باسمه الملك ، وجرت بسعده الفلك ، وأنار به الليل الدامس ، ولاح له الأثر الطامس ، وجرى الدهر لسطوته خائفا ، وغدا السعد بعقوته طائفا ،
والزمان ببرود علياه ملتحف ، ولثغور نداه مرتشف ، ولا زال للمجد يتملكه ، والسعد
يحمله فلكه ، أما وقد وافقتني أيامه أيده الله سبحانه وفاقا ، ورأيت للبيان عنده
نفاقا ، فلا بد أن أرسل كتائبه أفواجا ، وأفيض من بحره أمواجا ، وأصف ما شاهدته من
اقتداره ، وعاينته من حسن إيراده وإصداره ، بمقال أفصح من شكوى المحزون ، وأملح من
رياض الحزون ، وقد كنت أيدكم الله تعالى كلفا بالدول وبهائها ، لهجا بالبلوغ إلى
انتهائها ، لأجد دولة أرتضيها ، وحظوة علياء أقتضيها ، فكل ملك فاوضته سرا وجهرا ،
وكل ملك قلبته بطنا وظهرا ، والنفس تصدّ عنه صدود الجبان عن الحرب ، والملائكة
الكرام عن الشرب ، إلى أن حصلت لديه ، ووصلت بين يديه ، فقلت : الآن أمكن من راح
البغية الانتشاء ، وتمثلت (الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ
الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) [فاطر الآية : ٣٤
، الزمر ٧٤] وما زلت أسايره حيث سار ، وآخذ اليمين تارة وتارة اليسار ، وكل ناحية
تسفر لي عن خدّ روض أزهر ، وعذار نبت أخضر ، وتبسم عن ثغر حباب ، في نهر كالحباب ،
وترفل من الربيع في ملابس سندسيات ، وتهدي إلينا نوافح مسكيات ، وتزهى بهجتها
بأحسن منظر ، وتتيه بجلباب أينع من برد الشباب الأنضر ، فجلنا فيها يمينا وشمالا ، واستخبرنا عن أسرارها صبا
وشمالا ، ثم مال بنا أيده الله تعالى عن هذه المسارح السنية ، والمنازل البهيّة ،
إلى إحدى ضياعه الحالية ، وبقاعه العالية ، فحللناها والأيم قد عري من جلبابه ،
واليوم قد اكتهل بعد شبابه ، فنزلنا في قصور يقصر عنها جعفريّ جعفر ، وقصور بني الأصفر ، تهدي من لبّاتها بردا محبرا ، وتبدي
من شذاها مسكا وعنبرا ، وقد لاحت من جوانبها نجوم أكواس لو رآها أبو نواس لجعلها
شعاره ، ووقف على نعتها أشعاره ، ولم يتخذ سواها نجعة ، ولا نبه خمّاره بعد هجعة ،
فتعاطيناها والسعد لنا خادم ، وما غير السرور علينا قادم ، وخدود سقاتها قد اكتست
من سناها ، وقدودهم تتهيل علينا بجناها ، ونحن بين سكر وصحو ، وإثبات لها ومحو ،
وإصاخة إلى بمّ وزير ، والتفاتة إلى ملك
__________________