وقد ذكر في المشارق النون والراء ، فقال «الحور بعد الكور» بالراء رواه العذري وابن الحذاء ، وللباقين بالنون ، معناه النقصان بعد الزيادة ، وقيل : من الشذوذ بعد الجماعة ، وقيل : من الفساد بعد الصلاح ، وقيل : من القلة بعد الكثرة ، كار عمامته إذا لفها على رأسه واجتمعت ، وحارها إذا نقضها فافترقت ، ويقال : حار إذا رجع عن أمر كان عليه ، ووهّم بعضهم رواية النون ، وقيل : معناها رجع إلى الفساد بعد أن كان على خير مما رجع إليه ، وقال عياض في موضع آخر بعد : الحور بعد الكور ، كذا للعذري ، والكون للفارسي والسجزي (١) وابن ماهان ، وقول عاصم في تفسيره «حار بعد ما كار» وهي روايته ، ويقال : إن عاصما وهم فيه ، انتهى.
والسائل لابن مالك عن اللفظة هو ابن خلّكان ، لأن ابن الأثير سأل ابن خلكان عنها ، فسأل هو ابن مالك ، رحم الله تعالى الجميع!
وقد عرف الحافظ الذهبي بابن مالك في تاريخ الإسلام ، وذكر فيه ترجمة لولده بدر الدين محمد ، وأنه كان حادّ الذهن ، ذكيا ، إماما في النحو وعلم المعاني والمنطق ، جيد المشاركة في الفقه والتدريس ، وأنه تصدّر بعد والده للتدريس ، ومات شابا قبل الكهولة سنة ٦٨٦ ، ومن أجلّ تصانيفه شرحه على ألفية والده ، وهو كتاب في غاية الإغلاق (٢) ، ويقال : إنه نظير الرضي في شرح الكافية ، وللناس عليه حواش كثيرة ، رحمه الله تعالى أجمعين!
١٤٥ ـ ومنهم أبو عبد الله محمد بن طاهر القيسي التدّميري (٣) ، ويعرف بالشهيد.
كان عظيم القدر جدا بالأندلس ، بعيد الأثر في الخير والصلاح والعلم والنسك والانقطاع إلى الله تعالى ، وكان من وجوه أهل كورة تدمير ذوي البيوت الرفيعة ، وبرع بخصاله المحمودة ، فكان في نفسه فقيها ، عالما ، زاهدا ، خيّرا ، ناسكا ، متبتلا ، نشأ على الاستقامة والصلاح والاهتداء والدّعة ، وطلب العلم في حدثان سنه (٤). ورحل إلى قرطبة فروى الحديث وتفقه وناظر ، وأخذ بحظ وافر من علم المسألة والجواب ، وكان أكثر علمه وعمله الورع ، والتشدد فيه ، والتحفظ بدينه ومكسبه ، ورسخ في علم السّنّة ، ثم ارتحل إلى المشرق ، فمرّ بمصر حاجّا ، فأقام بالحرمين ثمانية أعوام يتعيش فيها من عمل يده بالنسخ ، ثم سار إلى
__________________
(١) في ه : والشجري.
(٢) أي أنه محكم إحكاما جيدا.
(٣) نسبة إلى تدمير ، من كور الأندلس ، سميت باسم ملكها تدمير (صفة جزيرة الأندلس ص ٦٢).
(٤) في حدثان سنة : في صغره.