قال ابن سعيد : قال ابن بشكوال هذا لأنه لم ير صومعة مراكش ولا صومعة إشبيلية اللتين بناهما المنصور من بني عبد المؤمن ، فهما أعظم وأطول ، لأنه ذكر أن طول صومعة قرطبة إلى مكان موقف المؤذن أربعة وخمسون ذراعا وإلى أعلى الرمانة الأخيرة بأعلى الزج ثلاثة وسبعون ذراعا ، وعرضها في كل تربيع (١) ثمانية عشر ذراعا ، وذلك اثنان وسبعون ذراعا ، قال ابن سعيد : وطول صومعة مراكش مائة وعشرة أذرع ، وذكر أن صومعة قرطبة بضخام الحجارة الفظيعة (٢) منجّدة غاية التنجيد ، وفي أعلى ذروتها ثلاث شمسات يسمونها رمانات ملصقة في السفود البارز في أعلاها من النحاس : الثنتان منها ذهب إبريز ، والثالثة منها وسطى بينهما من فضة إكسير (٣) ، وفوقها سوسنة من ذهب مسدّسة فوقها رمانة ذهب صغيرة في طرف الزج البارز بأعلى الجوّ ، وكان تمام هذه الصومعة في ثلاثة عشر شهرا.
وذكر ابن بشكوال في رواية أن موضع الجامع الأعظم بقرطبة كان حفرة عظيمة يطرح فيها أهل قرطبة قمامتهم وغيرها ، فلما قدم سليمان بن داود صلى الله عليهما ودخل قرطبة قال للجن : اردموا هذا الموضع وعدّلوا مكانه ، فسيكون فيه بيت يعبد الله فيه ، ففعلوا ما أمرهم به ، وبني فيه بعد ذلك الجامع المذكور ، قال : ومن فضائله أن الدارات الماثلة في تزاويق سمائه مكتوبة كلها بالذكر والدعاء إلى غيره بأحكم صنعة ، انتهى.
وذكر مصحف عثمان بن عثمان رضي الله تعالى عنه الذي كان في جامع قرطبة وصار إلى بني عبد المؤمن فقال : هو مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ، مما خطّه بيمينه ، وله عند أهل الأندلس شأن عظيم ، انتهى.
وسنذكر فيه زيادة على هذا.
وأما الزهراء فهي مدينة الملك التي اخترعها أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر لدين الله ، وقد تقدّم ذكره ، وهي من المدن الجليلة العظيمة القدر ، قال ابن الفرضي وغيره : كان يعمل في جامعها حين شرع فيه من حذّاق الفعلة كلّ يوم ألف نسمة منها ثلاثمائة بنّاء ومائتا نجّار وخمسمائة من الأجراء وسائر الصنائع ، فاستتم بنيانه وإتقانه في مدة من ثمانية وأربعين يوما ، وجاء في غاية الإتقان من خمسة أبهاء عجيبة الصّنعة ، وطوله من القبلة إلى الجوف ـ حاشا
__________________
(١) في ب : كل تربيع فيها ثمانية ..
(٢) في ب : الحجارة المقطعة.
(٣) الإكسير : ما يلقى على الفضة أو نحوها فيحوله إلى ذهب خالص ، وذلك من خرافات أصحاب الكيمياء القديمة.