بعضهم له : لم لم تفت بمذهب مالك بالتخيير؟ فقال : لو فتحنا له [هذا] الباب سهل عليه أن يطأ كل يوم ويعتق رقبة ، ولكن حملته على أصعب الأمور لئلا يعود.
وقال بعض المالكية : إن يحيى ورّى بهذا ، ورأى أنه لم يملك (١) شيئا إذ هو مستغرق الذّمة فلا عتق له ولا إطعام ، فلم يبق إلا الصيام ، انتهى.
ولما انفصل يحيى عن مالك ووصل إلى مصر رأى ابن القاسم يدوّن سماعه من مالك ، فنشط للرجوع إلى مالك ليسمع منه المسائل التي رأى ابن القاسم يدوّنها ، فرحل رحلة ثانية ، فألفى مالكا عليلا ، فأقام عنده إلى أن مات وحضر جنازته ، فعاد إلى ابن القاسم وسمع منه سماعه من مالك ، هكذا ذكره ابن الفرضي في تاريخه ، وهو مما يرد الحكاية المشهورة الآن بالمغرب أن يحيى سأل مالكا عن زكاة التين ، فقال [له] : لا زكاة فيها ، فقال : إنها تدّخر عندنا ، ونذر إن وصل إلى الأندلس أن يرسل لمالك سفينة مملوءة تينا ، فلما وصل أرسلها فإذا مالك قد مات ، انتهى.
قال ابن الفرضي : ولما انصرف يحيى إلى الأندلس كان إمام وقته ، وواحد بلاده ، وكان ممن اتهم بالهيج في وقعة الرّبض المشهورة ففر إلى طليطلة ثم استأمن فكتب له الأمير الحكم أمانا ، وانصرف إلى قرطبة (٢).
وقيل : لم يعط أحد من أهل الأندلس منذ دخلها الإسلام ما أعطي يحيى من الحظوة ، وعظم القدر ، وجلالة الذكر.
وقال ابن بشكوال : إن يحيى بن يحيى كان مجاب الدعوة ، وإنه أخذ في سمته وهيئته ونفسه ومقعده هيئات مالك.
ويحكى عنه أنه قال : أخذت بركاب الليث بن سعد ، فأراد غلامه أن يمنعني ، فقال : دعه ، ثم قال لي الليث : خدمك العلم! فلم تزل بي الأيام حتى رأيت مالكا ، انتهى.
٣ ـ ومنهم القاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى (٣).
__________________
(١) في ه : وإنه لم ير أنه يملك شيئا.
(٢) انظر الجزء الأول ٣٢٥ ـ ٣٢٩.
(٣) هو محمد بن عبد الله بن أبي عيسى. ولي قضاء عدة من الكور ، ما بين طليطلة وبجانة ، بسيرة عادلة ، التزم فيها الصرامة في تنفيذ الحقوق وإقامة الحدود. قال ابن الفرضي : وكان حافظا للرأي ، معتنيا بالآثار ، جامعا للسنن ، متصرفا في علم الإعراب ومعاني الشعر. ثم تولى قضاء الجماعة بقرطبة سنة ٣٢٦ ه أيام الأمير الناصر لدين الله. وتوفي سنة ٣٣٩ (تاريخ قضاة الأندلس ص ٥٩).