ثم آل الأمر بعد ذلك كله إلى استيلاء ملوك العدوة من الملثمين والموحّدين ، على قرطبة ، إلى أن تسلمها النصارى ، أعادها الله تعالى للإسلام! كما يذكر في الباب الثامن.
وقال صاحب «مناهج الفكر» في ذكر قرطبة ، ما ملخصه : فأما ما اشتمل عليه غرب الجزيرة ، من البلاد الخطيرة ، فمنها قرطبة ، وكانت مقر الملك ، ودار الإمارة ، وأمّ ما عداها من البلاد ، منذ افتتحها المسلمون سنة ٩٢ زمن الوليد بن عبد الملك إلى أن خرجت عن أيديهم ، وتنقلت في أيدي ملوك المسلمين إلى أن وصلت إلى الناصر عبد الرحمن ، فبنى في تجاهها مدينة سماها الزهراء ، يجري بينهما نهر عظيم ، انتهى.
واعلم أن المباني دالة على عظيم قدر بانيها ، كما ذكرناه في كلام الناصر الذي طابت له من الزهراء مجانيها ، ولم يزل البلغاء يصفون المباني ، بأحسن الألفاظ والمعاني ، ورأينا أن نذكر هنا بعض ذلك ، زيادة في توسيع المسالك ، فمن ذلك قول ابن حمديس الصقلي (١) يصف دارا بناها المعتمد على الله (٢) : [الطويل]
ويا حبّذا دار قضى الله أنّها |
|
يجدّد فيها كلّ عزّ ولا يبلى(٣) |
مقدّسة لو أن موسى كليمه |
|
مشى قدما في أرضها خلع النّعلا |
وما هي إلّا خطّة الملك الّذي |
|
يحطّ إليه كلّ ذي أمل رحلا(٤) |
إذا فتحت أبوابها خلت أنّها |
|
تقول بترحيب لداخلها أهلا |
وقد نقلت صنّاعها من صفاته |
|
إليها أفانينا فأحسنت النّقلا |
فمن صدره رحبا ومن نوره سنى |
|
ومن صيته فرعا ومن حلمه أصلا |
فأعلت به في رتبة الملك ناديا |
|
وقلّ له فوق السّماكين أن يعلى |
نسيت به إيوان كسرى لأنّني |
|
أراه له مولى من الحسن لا مثلا |
كأنّ سليمان بن داود لم تبح |
|
مخافته للجنّ في صنعه مهلا |
__________________
(١) ابن حمديس الصقلي : هو عبد الجبار بن أبي بكر بن محمد بن حمديس. ولد ونشأ في سرقوسة ثم هاجر إلى الأندلس ، ومدح المعتمد بن عباد إلى أن عزل عن ملكه ، فغادر الشاعر الأندلس إلى المغرب ، وظل يتنقل إلى أن توفي سنة ٥٢٧ ه. (انظر مقدمة ديوانه ط صادر بيروت).
(٢) انظر ديوان الشاعر ص ٣٧٥ ـ ٣٨٠.
(٣) البيت في الديوان :
ويا حبذا دار يد الله مسحت |
|
عليها بتجديد البقاء فما تبلى |
(٤) في ب : يخطّ إليه كل ذي أمل رجلا.