بزي بداة الأعراب ، وكان يجول في الأحياء إلى أن انتهى إلى حيها ، وبات هنالك ، وتحيل حتى عاينها هناك ، فما ملك صبره ، ورجع إلى مقر ملكه ، وأرسل إلى أهلها يخطبها ، وتزوجها ، فلما وصلت إليه صعب عليها مفارقة ما اعتادت ، وأحبت أن تسرّح طرفها في الفضاء ، ولا تنقبض نفسها تحت حيطان المدينة ، فبنى لها البناء المشهور في جزيرة الفسطاط المعروف بالهودج ، وكان غريب الشكل ، على شط النيل ، وبقيت متعلقة الخاطر بابن عم لها ربّيت معه ، يعرف بابن ميّاح ، فكتبت إليه من قصر الآمر : [بحر الرمل]
يا ابن ميّاح إليك المشتكى |
|
مالك من بعدكم قد ملكا |
كنت في حيي طليقا آمرا |
|
نائلا ما شئت منكم مدركا |
فأنا الآن بقصر موصد |
|
لا أرى إلا حبيسا ممسكا |
كم تثنينا كأغصان النقا |
|
حيث لا نخشى علينا دركا(١) |
فأجابها فقال : [بحر الرمل]
بنت عمي والتي غذّيتها |
|
بالهوى حتى علا واحتبكا(٢) |
بحت بالشكوى وعندي ضعفها |
|
لو غدا ينفع منّا المشتكى |
مالك الأمر إليه يشتكى |
|
هالك ، وهو الذي قد أهلكا |
قال : وللناس في طلب ابن ميّاح واختفائه أخبار تطول.
وكان من عرب طيىء في عصر الآمر طراد بن مهلهل ، فقال وقد بلغته هذه الأبيات : [بحر المتقارب]
ألا بلّغوا الآمر المصطفى |
|
مقال طراد ونعم المقال |
قطعت الأليفين عن ألفة |
|
بها سمر الحمى حول الرحال(٣) |
كذا كان آباؤك الأكرمون |
|
سألت فقل لي جواب السؤال |
فقال الخليفة الآمر لما بلغته الأبيات : جواب سؤاله قطع لسانه على فضوله ، فطلب في أحياء العرب فلم يوجد ، فقيل : ما أخسر صفقة طراد ، باع عدة أبيات بثلاثة أبيات (٤).
__________________
(١) في ب ، ه : «أغصان اللوى».
(٢) في ب : «واحتنكا».
(٣) في ب : «بها سمر الحيّ حول الرحال».
(٤) في نسخة : «باع أبيات الحي بثلاثة أبيات» وهو المعنى.