لا تنظرنّ إلى جسمي وقلّته |
|
وانظر لصدري وما يحوي من السّنن |
فربّ ذي منظر من غير معرفة |
|
وربّ من تزدريه العين ذو فطن |
وربّ لؤلؤة في عين مزبلة |
|
لم يلق بال لها إلّا إلى زمن |
انتهى ما في المطمح الصغير.
قلت : أمّا ما ذكره من عدم معرفته بالحديث فهو غير مسلم ، وقد نقل عنه غير واحد من جهابذة المحدّثين (١) ، نعم لأهل الأندلس غرائب لم يعرفها كثير من المحدثين ، حتى إن في شفاء عياض أحاديث لم يعرف أهل المشرق النقّاد مخرجها ، مع اعترافهم بجلالة حفاظ الأندلس الذين نقلوها كبقيّ بن مخلد وابن حبيب وغيرهما على ما هو معلوم.
وأما ما ذكره عنه بالإجازة (٢) بما في الغرارة فذلك على مذهب من يرى الإجازة ، وهو مذهب مستفيض ، واعتراض من اعترض عليه إنما هو بناء على القول بمنع الإجازة ، فاعلم ذلك ، والله سبحانه الموفق.
٢ ـ ومن الراحلين من الأندلس الفقيه المحدّث يحيى بن يحيى الليثي راوي الموطّأ عن مالك رضي الله تعالى عنه ، ويقال : إن أصله من برابر مصمودة (٣) ، وحكي أنه لما ارتحل إلى مالك لازمه ، فبينما هو عنده في مجلسه مع جماعة من أصحابه إذ قال قائل : قد (٤) حضر الفيل ، فخرج أصحاب مالك كلهم ، ولم يخرج يحيى ، فقال له مالك : مالك لم تخرج وليس الفيل في بلادك؟ فقال : إنما جئت من الأندلس لأنظر إليك ، وأتعلم من هديك وعلمك ، ولم أكن لأنظر إلى الفيل ، فأعجب به مالك ، وقال : هذا عاقل الأندلس ، ولذلك قيل : إن يحيى هذا عاقل الأندلس ، وعيسى بن دينار فقيهها ، وعبد الملك بن حبيب عالمها (٥) ، ويقال : إن يحيى راويها ومحدثها ، وتوفي يحيى بن يحيى سنة ٢٣٤ في رجب (٦) ، وقبره يستسقى به بقرطبة ، وقيل : إن وفاته في السنة التي قبلها ، والله تعالى أعلم.
وروايته الموطأ مشهورة ، حتى إن أهل المشرق الآن يسندون الموطأ من روايته كثيرا ، مع تعدّد رواة الموطأ ، والله أعلم.
__________________
(١) الجهابذة : جمع جهبذ ؛ وهو الخبير بالأمور ، المميز بين جيدها ورديئها.
(٢) في ب : في الإجازة.
(٣) مصمودة : قبيلة من قبائل البربر كثيرة العدد ، قوية.
(٤) قد : غير موجودة في ب.
(٥) هذا القول لمحمد بن عمر بن لبابة ، وقد ورد في ترجمة عبد الملك بن حبيب السلمي.
(٦) في ب : برجب.