وأقول :
لم ينف الحكماء كلّي الغرض ، وإنّما نفوا الغرض الذي به الاستكمال كما يدلّ عليه كلمات بعضهم (١) ، وهذا الدليل الذي ذكره الخصم وأخذه أتباعهم من ظواهر كلماتهم.
وقد أجاب الإمامية عن هذا الدليل بما قاله نصير الدين رحمهالله في التجريد : « ولا يلزم عوده إليه » (٢).
يعني أنّ الغرض لا يلزم عوده إلى الله تعالى ، بل يجوز أن يعود إلى مصلحة العبد أو نظام الموجودات بما تقتضيه الحكمة.
وأشار إليه المصنّف رحمهالله بقوله : « إنّما يفعل لغرض وحكمة وفائدة ومصلحة ترجع إلى المكلّفين ».
فقولهم في هذا الدليل : « لا يصلح غرضا للفاعل إلّا ما هو أصلح له من عدمه » ظاهر البطلان ، فإنّ الحكيم المحسن لا يحتاج في داعيه للفعل إلى أكثر من حصول المصلحة لعبده ، أو احتياج النظام إليه ، فيكون الغرض كمالا للفعل ، ودليلا على كمال ذات الفاعل ؛ لأنّه يشهد بحكمته وإحسانه ، ولو فعل لا لغرض لكان ناقصا عابثا.
وقد قسّم الأشاعرة قسمة غير عادلة ، حيث اكتفوا لأنفسهم في مقام
__________________
(١) انظر مثلا : تهافت التهافت : ٤٩١ ، شرح التجريد : ٤٤٣ ، وقد مرّ ذلك في ج ٢ / ٣٤٧ ه ١.
(٢) تجريد الاعتقاد : ١٩٨.