وأقول :
منع الملازمة مكابرة ظاهرة ، ضرورة أنّ الفعل لا لغاية وغرض ، عبثّ ، والعبث لا يكون إحسانا وإنعاما وكرما ، بل مع قطع النظر عن العبث لا يكون الفعل بنفسه إحسانا بلا قصد الإحسان ، وإلّا لكان كذلك وإن صدر لغاية أخرى ، كما في مثال المصنّف بمطعم الدابّة ؛ وهو خلاف الضرورة.
قال الشاعر :
لا تمدحنّ ابن عبّاد وإن هطلت |
|
كفّاه بالجود سحّا يخجل الدّيما (١) |
فإنّها خطرات من وساوسه |
|
يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما (٢) |
فإنّه جعل عطاءه الوافر لا لغاية الإحسان والفضل ، ليس من الكرم ، وإن أساء وأجحف في حقّ ابن عبّاد.
وأمّا ما ذكره في الشقّ الثاني ، فهو عين القول بالغرض ؛ لأنّ إرادة إيصال الإحسان إلى المحسن إليه عبارة عن قصد الداعي ، والداعي هو الغرض.
* * *
__________________
(١) السّحّ : الصّبّ المتتابع الكثير ، وهنا كناية عن العطاء الكثير المتواصل ؛ انظر : لسان العرب ٦ / ١٨٨ مادّة « سحح ».
والدّيم ، جمع ديمة : المطر الدائم في سكون بلا رعد ولا برق ، وهي هنا على المجاز : العطاء الدائم المستمرّ ؛ انظر : لسان العرب ٤ / ٤٤٦ و ٤٥٨ مادّتي « دوم » و« ديم ».
(٢) البيتان لأبي بكر الخوارزمي في هجاء الوزير الصاحب بن عبّاد ؛ انظر ديوانه : ٤٠٩ ـ ٤١٠ رقم ٢١٤ ، وانظر : مرآة الجنان ٢ / ٣١٤ ، شذرات الذهب ٣ / ١٠٥.