وأقول :
لمّا زعم الأشاعرة في أوّل الدليلين أنّ العبد إمّا أن يتمكّن من ترك ما فعله أو لا ، فإن لم يتمكّن كان موجبا لا مختارا ، ويلزم الجبر ، أجاب المصنّف رحمهالله : « إنّا نختار أنّه لا يتمكّن ».
قولكم : « كان موجبا لا مختارا ».
قلنا : ممنوع ؛ لأنّ عدم التمكّن من الترك إنّما هو بسبب اختيار الفعل وتمام علّته ، فلا ينفي كونه مختارا ، ولا ينافي إمكان الفعل في نفسه وتأثير قدرة العبد فيه.
وهذا معنى ما يقال : « الوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار ».
وأورد عليه الخصم بأنّ هذا الوجوب يراد به الاضطرار المقابل للاختيار ، ومرادنا نفي الاختيار ، وهو كلام لا محصّل له.
ولعلّه يريد أنّا ندّعي أنّ الفعل اضطراري غير اختياري ، لعدم التمكّن من تركه بعد الاختيار والإرادة المؤثّرة ، وإن لم يصر فاعله بذلك موجبا.
وفيه ـ مع أنّ دليل الأشاعرة صريح في لزوم كون الفاعل موجبا ـ يشكل بأنّ عدم التمكّن من الترك بعد الإرادة المؤثّرة لا ينفي حدوثه بالاختيار ، ولا ينافي كونه مقدورا بالذات ، وغاية ما يثبت أنّ الفعل بعد الإرادة التامّة يصير واجبا بالغير ، لا واجبا بالذات ، ولا صادرا بالجبر.
وأمّا ما زعمه من أنّ من لم يتمكّن من الفعل لعدم حصول شرائطه غير قادر عليه ، فهو ممّا لا دخل له بمطلوب الأشاعرة من أنّ الفعل الواقع